تحتار وأنت ترى كيف يُخطف الشاب البسيط التربية والثقافة ويتحول إلى قاتل ومقتول من خلال مغاسل للعقول تصل إلى أضعف نقاط الإنسان في قبول الأفكار دون تحليلها ومناقشتها، وكيف أن معلمي فلسفة الموت لديهم نقص الوعي ذاته، إذ خضعوا لنفس الدورة في القناعة بالمعلم أو المفتي لكنهم عاشوا الخدعة وكشفوها ثم استثمروها في عدوانيتهم بالوصول إلى العقول الصغيرة وبرمجتها ثم حذف أي معنى إنساني للحياة عند تقديمهم قرابين للإبادة والتخريب..
لم نعرف في حياتنا سيرة التطرف القاتل، إلاّ من مَلازم كتب التاريخ الإنساني، وهي حالات لا تشكل إلاّ النسب الضئيلة مع المعطى الحضاري والتقدم البشري، لكنها كأي حوادث الأزمنة تبقى شاهداً على شذوذ العقل وتحولاته المعقدة..
الإرهاب الجديد لم يأتِ بلا مقدمات، لكن أن يأخذ غطاء دينياً أو إسلامياً بالتحديد يصبح المغري والمقبول لشريحة عريضة من المجتمع، وخاصة حين يأتي التلقين بأن التضحيات بالنفس بقتل الكافر والمرتد والمارق الطريق إلى الجنة ومخاطر هذا السلوك أنه يأتي بمقاييس تحافظ على علاقة غير متساوية بين مخادع ومخدوع، ولذلك شهد مجتمعنا كيف يساق شبابنا إلى أفغانستان والبوسنة والعراق وسورية وغيرها، فكان عائد التربية الجهنمية وصول أرتال الإرهابيين إلينا بأسلحة عاطفية لا يمكن تغييرها بأساليب الحوار إلاّ الندرة منهم، أو من يقبلونها (تقية) للخروج من المعتقل والعودة إلى ساحات ومنظمات الإرهاب، أو استهدافنا مرة أخرى..
تاريخنا القريب لم نواجه فيه الحواجز الخرسانية تحيط بدوائر الحكومة الأمنية والوزارات والمواقع الأخرى المستهدفة وذات الحساسية الخاصة عند الإرهابي الذي اعتمدها أهدافاً، ولم نكن متهمين بدون أسباب عند دخولنا مطارات أو حدود برية أو بحرية لإخضاعنا للتفتيش والاحتراز بمتابعة خطواتنا وحركة سيرنا في المدن العالمية، ولا كيف تتحفظ الكثير من السفارات منحنا رخصة دخول بلدانهم لأي شبهة أو ظن وكل هذا جاء من فعل أقليات بسيطة، ولكن فعلها الإجرامي وضعنا جميعاً في حلقة الاتهام والمطاردة..
لا خلاف أن نزعة التصفيات الجسدية بدأت مع حركة الإخوان المسلمين في مصر باستهداف وجوه حاكمة وحزبية وشخصيات مرموقة من خلال تسييس الدين والتلاعب بالعقول بمظهر المحارب للاستعمار والفساد والعودة بالإسلام الصحيح للعالم، ومن ثم إنشاء دولة الخلافة على هذه الأسس، ومشروع كهذا مغر خاصة في مواجهة الاستعمار وقتها، ثم الحركات العلمانية والحزبية وزعاماتها، وقد تمددت هذه الحركة لتكون عالمية لكنها أخفت ما كان من أهداف صَنعها في البداية البريطانيون في مصر، واستغلها الألمان باستقطاب القادة في التحول إلى حرب ضد الإنجليز لصالحهم، وكل هذا لم يكن يأخذ الاهتمام المباشر من قطاعات مختلفة أهلية وحكومية، إلاّ حين حدث موضوع اغتيال عبدالناصر، لتبدأ المعركة وحتى هذه كانت موضع شك بأنها مفتعلة فزادت من تعاطف عربي وإسلامي معهم..
لسنا في صدد مشكل أصبح سياسياً بغلاف ديني لولا أننا نعيش لحظة الانفجارات التي تعيشها معظم الدول العربية، وكيف أن الحاضن والمؤسس للتطرف نبع من جماعة الإخوان المسلمين، وحالياً تُعيد صياغة نموذج آخر لتحالفات أخرى مع قوى عالمية ومع أحزاب ومنظمات إرهابية بعد خسائرها الحكم الذي بنى عليه الإخوان منظومة عملهم، ولذلك ستكون الأيام القادمة حرباً جديدة بأدوات عالمية تستهدف هذه المنطقة وبالتالي لابد من ذراع القوة لأن الخصم يعيش لحظة النهاية والبديل عنده الانتحار