لماذا نحتفي بالشهيد القائد أبو جهاد في ذكرى استشهاده؟

السؤال يأتي في زمانه ومكانه، وقادة حركة فتح كلهم عظماء في حياتهم وبعد استشهادهم، ووفاءً لرفاق الدرب، لا تنسى أنَّ من أسهموا في قيادة الثورة هم عظماء لأن الجميع من منبت فلسطيني واحد، منبت الأصالة الوطنية، المتجِّذر في الأرض المباركة، أرض الرباط والمقدسات.

نحتفي بخليل الوزير، أبا جهاد لأنه كان الساعدَ الأيمن لقائد الثورة الرمز ياسر عرفات، ولأنه كان التوأم الذي لا يفارق، ولايتباين، وإنما يتكامل مع أبي عمار في كل المواقف والمراحل، واذا أردنا أن نقرأ ياسر عرفات جيداً، علينا أن نبدأ بقراءة خليل الوزير، فالعنوان واحد، والسرُّ واحد، والرؤية واحدة.

لا شك أنَّ شخصية أبي جهاد الوزير أثارت الإعجاب والتقدير لدى من عرفوه، ومن قابلوه، ومن واكبوه، ومن اكتسبوا شرف العمل في الدوائر والمجالات التي اشرف عليها، ولأنه كان متواضعاً، ومتسامحاً، ومؤمناً، وخلوقاً، فقد تميَّز تلامذته بصفاته، وتأثروا بنهجه، وحملوا تراثه من جيل إلى جيل ليعرِّفوا الأجيال على حركة فتح من خلال التعرَّف على خليل الوزير.

أهمية الشهيد أبو جهاد أنه كان باٌستمرار منشغلاً ومنخرطاً بالتخطيط والإعداد لمزيد من العمليات العسكرية التي تستهدف العمق، ولا تتوقف عند القشرة.  أشرف على العديد من العمليات التي أقضت مضاجع العدو، وأربكت القيادة الإسرائيلية، ووضعتها أمام خيارات صعبة، فما زلنا نذكر عملية سافوي في العام 6/3/1975 ،التي قُتل فيها قائد عملية فردان، وعملية الشهيد كمال عدوان (قائدتها دلال المغربي) في العام 11/3/1978،وعملية السيطرة على وزارة الدفاع التي لم تكلل بالنجاح في 21/4/1985،وعملية ديمونا في 8/3/1988،والتي جاءت رداً على انفجار ليماسول الذي أدى الى استشهاد القادة الثلاثة (ابو حسن، وحمدي، ومروان كيالي)، وهذه العملية كان لها التأثير الاكبر في تنفيذ عملية اغتيال الشهيد أبو جهاد في تونس ليل 16/4/1988، وقد أشرف عليها باراك نفسه نائب رئيس الاركان في ذلك الوقت ومعه بن نون قائد القوات المجوقلة مستعينين للإشراف بطائرة بوينغ 707إضافة إلى سفينتين من نوع ساغر (4)، وغواصة، وزوارق زودياك، وفريق من الموساد.  لقد تجاوز الشهيد أبو جهاد الخط الأحمر الذي رسمه الإسرائيليون، فصمموا على اغتياله في بيته في تونس.

الشهيد أبو جهاد بلور القواعد الأساسية الفلسطينية الخاصة للعمل في حركة فتح وهو يقول: "رغم دراستنا لمجمل التجارب الثورية القائمة، ورغم معايشتنا، ومعرفتنا الملموسة للعديد من هذه التجارب، إلاّ أنّ حرصنا كان عالياً منذ البدء على وضع قواعد العمل الخاصة بنا:

القاعدة الأولى التي أرسينا وعينا السياسي والنظري على أساسها هي اعتبار مسألة الوحدة الوطنية إحدى الضرورات المطلقة التي لا يمكن التهاون حيالها ...

القاعدة الثانية التي ارسينا ثوابتها هي توظيف كل الطاقات من أجل تفجير الكفاح المسلح من حيث كونه ركيزة ثابتة تسعى الى تحقيق الحرب الشعبية الطويلة الأمد...

القاعدة الثالثة أنه خلال مسارنا الطويل لا بد من العمل الحثيث على تفتيت جبهة الاعداء...

القاعدة الرابعة وهي أن نكون دوماً على وعي كامل بالظروف العربية التي تحيطنا، والعمل على منع الإرادات العربية من احتلال إراداتنا الثورية ومنع فرض الوصاية على قرارنا السياسي..."

منهج الشهيد أبو جهاد الذي انطلق منه وكرسه في مدرسته هو استخدام العنف المسلح في مواجهة المحتل الذي بنى وجوده على أساس العدوان، والمجازر، والقمع والتنكيل

.

وتجربة أبو جهاد في هذا المجال تستند الى مجموعة حقائق أوضحها الدكتور محمد حمزة في كتابه عن الشهيد أبو جهاد:

1.   إنَّ الصراع العربي الاسرائيلي بطبيعته موسوم بالعنف، والظاهرة الإسرائيلية هي في جوهرها استمرار في فرض العنف القمعي على الفلسطينيين والأمة العربية كلها

.

2.   إنَّ للعنف والكفاح المسلح حسب أبو جهاد وظيفة سوسيولوجية تتعلق بإعادة بنية المواطن وتفوقه المعنوي...

 

3.   إنه لا يمكن مواجهة نظرية العنف الصهيوني إلا بنظرية عنف عربية تكون متقدمة عليها...

 

4.   إنه لا يوجد للصراع العربي الإسرائيلي حل وسط تاريخي لأنَّ إسرائيل ظاهرة لا تاريخية في الأساس...

 

5.   إنَّ التجربة العسكرية لأبي جهاد اتسمت بالخصائص الاستراتيجية التالية:

أ‌-    اعتمدت مبدأ توازن الإرادات وليس توازن القوى أو توازن المصالح.

ب-   إدامة حالة الاشتباك والوضع القتالي وتحويل الاستنـزاف من مجال التكتيك إلى مجال الاستراتيجية.

ت‌-    الحفاظ على التماس المباشر مع العدو، وعدم السماح له بقطع خط التماس.

ث‌-     مهاجمة استراتيجية الخصم، والتركيز على نقل المعركة الى قلب العدو.

ج‌-    إخضاع كل قضايا العمل العسكري لمتطلبات العمل السياسي واستراتيجيته العليا

 

6.   الحفاظ على البندقية الفلسطينية في اتجاه العدو، وتحريم وتجريم أي اقتتال داخلي أو الاحتكام للسلاح لحلِّ التعارضات في الرأي والرؤية.

 

7.   المزاوجة والتبادل بين كافة أشكال العنف الموجه ضد العدو

8.   خلق وتنمية قدرة مناسبة للرد والردع

9.   المزاوجة بين العمل العسكري، والنظامي، وشبه النظامي، والعصابي بأشكاله ومستوياته المتعددة

10. التركيز على البعد النفسي والمعنوي للعمليات العسكرية

في ذكرى استشهاد أبي جهاد نحن بأمس الحاجة إلى استفتائه وتحكيمه بما جرى، وما أصابنا، وما حلّ بقضيتنا، بعد أن استفرد عدوُّنا بنا، وبعد الوَهن الذي أصاب أمتنا، وبعد الانقسام الذي دمّر قضيتنا، ومزَّق شعبنا، وفرَّق وشتَّت صفوفنا، وأحالنا إلى دميةٍ يعبثُ بها عدونا، وأعطى الضوء الأخضر للتهويد والاستيطان، وبناء الكُنس، وجرف الأحياء العربية، وحفر الأنفاق تحت المسجد الاقصى.

 

عُذراً أبا جهاد علَّمتنا أن نحاور فحاورنا ولم نيأس رغم الجراح المثخنة، علَّمتنا أن الوحدة الوطنية هي الأساس وهي ضرورة، فتوسلنا، وتنازلنا لكَّن الأفق مسدود فماذا نفعل؟ علَّمتنا أن فلسطين فوق كل الخلافات، فذهبنا إلى مصر ووقَّعنا رغم أن الجرح عميق والمأساة لا توصف، فاليد الواحدة لا تصفق. علَّمتنا أن توظيف كل الطاقات هو المدخل من أجل تفجير الكفاح، لكنَّ رئيس الحكومة السابق الذي أخذ شرعيته من الرئيس أبو مازن انقلب على الرئيس وأخذ حصته من الوطن، ومصرٌ على جعل شعبنا شعبين، والعرب عربين. علَّمتنا رفضَ التبعية والوصاية على قرارنا السياسي الفلسطيني، فتمسكنا بما قلتَ، ووصَّيتَ وعلَّمت، ودفعنا الثمن، وما زلنا ننتظر عودة أهل البيت الى البيت الذي حميناه بالتضحيات، والعذابات، وطريق الآلام، ونزيف الدماء.

العهد هو العهد والقسم هو القسم ونحن على عهدك الذي تركتنا عليه، وما زلنا ننتظر شيئاً من إبداعاتك، نجهدُ ليل نهار لإستلهام عمق تجاربك، ونبْل مواقفك، وصلابة إرادتك، ووضوح رؤيتك من أجل تجسيد أحلامِك في شعبك، وأرضك، ودولتك العتيدة، والقدس التي تركناها لربٍ يحميها.

 

بقلم:الحاج رفعت شناعة

امين سر اقليم حركة "فتح" في لبنان