كلَّ عام أتوقّف أمام انتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت، وأتعامل مع مخرجاتها باهتمام كبير، لأنّها تمثّل من وجهة نظري، ومن وجهة نظر النخب السياسية والإعلامية بوصلة المزاج العام للشارع الفلسطيني. ولأنّ القوى السياسية جميعًا تُعطي الجامعة أيضًا ثقلاً في حساباتها التنظيمية والجماهيرية، ما يعطيها مكانة مميزة عن المنابر الجامعية الأخرى على أهميتها.

الانتخابات التي جرت يوم الأربعاء الماضي الموافق الـ17 من نيسان الحالي (2019) في جامعة بيرزيت لانتخاب مجلس طلبة جديد، كانت مهمة، وتمثّل نقطة تحول نسبي في مزاج الحركة الطلابية، حيث تمكنت حركة الشبيبة الطلابية (حركة "فتح") من إحداث نقلة إيجابية في موقعها داخل الجسم الطلابي، فحصلت على 4065 صوتًا، ما يعادل (23) مقعدًا، والكتلة الطلابية الإسلامية (حركة "حماس") على 3997 صوتًا، ما يعادل (23) مقعدًا، وحصل القطب الطلابي الديمقراطي التقدُّمي على 835 صوتًا، ما يعادل (5) مقاعد، في حين لم تتجاوز الكتل الطلابية الأخرى ما يؤهّلها للحصول على أي مقعد.

كانت الانتخابات هذا العام إنجازًا لكتلة شبيبة ياسر عرفات، لأنّها تجاوزت حالة التعثُّر، وتمكّنت من التغلب النسبي على الصعاب، التي كانت تواجهها في الأعوام الماضية، وفازت بالنقاط على حركة "حماس"، رغم أنَّ كلا الحركتين حصلت على عدد متساوٍ من المقاعد، لكن مع تميّز حركة "فتح" بتجاوزها حركة "حماس" بـ68 صوتًا. وأعتقدُ أنّ ما حصل له أسباب عدة، منها أنّ الشبيبة، بدأت معركتها باكرًا؛ ولم تتدخَّل في تفاصيل القائمين على الكتلة الفتحاوية أيّة جهات من خارج الجسم الطلابي، وأيضًا لانكشاف ظهر حركة "حماس" الانقلابية أكثر أمام الحركة الطلابية في أعقاب جرائمها، التي ارتكبتها في مواجهة الجماهير الشعبية الفلسطينية في قطاع غزة، التي خرجت في مظاهرات شعبية سلمية تحت شعار "بدنا نعيش .. حلوا عنا" في أواسط آذار الماضي، بعد أن ضاقت تلك الجماهير من بؤس وقهر السياسات الانقلابية التجويعية، والمنتجة للضرائب الجنونية إلخ، ورأت الحركة الطلابية فجور حركة "حماس"، وانفلات إرهابها من عقاله ضد الشارع الفلسطيني في محافظات الجنوب، وكذلك تماهيها مع صفقة القرن، وتمسُّكها بخيار الإمارة على حساب أهداف ومصالح الشعب العربي الفلسطيني؛ أضف لذلك، المواقف الصلبة، التي اتَّخذها الرئيس محمود عبّاس واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ضد صفقة القرن والسياسات الأميركية والإسرائيلية، جميعها عوامل ساهمت بتعزيز معركة الشبيبة الفتحاوية نسبيًّا ضد خيار الانقلاب الإخواني المتناقض مع مصالح الشعب الفلسطيني العليا.

نعم ما حصل في انتخابات مجلس طلبة بيرزيت يعتبر نصرًا مهمّا للشبيبة، وبغض النظر أنَّها توّلت، أو لم تتولَّ رئاسة المجلس الطلابي، لا سيما أنّ هناك تساويًا في عدد المقاعد مع الكتلة الإسلامية، وهناك القطب الطلابي (الشعبية)، الذي يمثّل بيضة القبان، ولمقاعده الخمسة دور حاسم في من يتولى الرئاسة، وأتمنى أن تحكم كتلة القطب الطلابي العقل، وتختار المصلحة الوطنية، وتدعم رئاسة حركة "فتح" للمجلس الطلابي، كما وأتمنى على "فتح" أن تفتح القوس لكسب القطب الطلابي لحماية إنجازها الهام على تواضعه.

رغم أهمية ما تقدَّم، فإنَّ الأهم برأي، هو الآتي: أولا، إتمام الانتخابات نفسها؛ ثانيًا البث المباشر والعلني أمام شاشات الفضائيات لعملية الفرز للأصوات في كل الكليات، وهو ما يؤكّد نزاهتها، وشفافيتها؛ ثالثًا تأكيد الثقة بالذات وبالحركة الطلابية وصوتها؛ رابعا التأكيد على أنّ القيادة الشرعية برئاسة الرئيس عباس، هي الضامن للديمقراطية، ولمكانة صناديق الاقتراع كعنوان أول للديمقراطية، ولحرية التصويت، وللتعامل بإيجابية مع نبض ومزاج الشارع الفلسطيني عموما، والحركة الطلابية خصوصًا.

وأهمية الانتخابات في الجامعات والنقابات المختلفة في الضفة الفلسطينية لدليل قاطع على المناخ الصحي، الذي يعيشه الجناح الشمالي من الوطن، بعكس ما يعاني منه الجناح الجنوبي من تكميم للأفواه، وزجر للحريات، وقمع للديمقراطية، ورفض لأية انتخابات مهما كان مستواها، ومع ذلك يخرج قادة حركة حماس، نموذجا خليل الحية، نائب السنوار في قيادة القطاع، ويحمل الرئيس أبو مازن المسؤولية عما آلت إليه الأمور، ثم يعلن استعداده وجاهزية حركته الانقلابية للذهاب للانتخابات. وهو يعلم علم اليقين، أنّه لولا محمود عبّاس لما شاركت "حماس" في الانتخابات عام 2006، ومع ذلك الميدان مفتوح أمامهم للعودة لصناديق الاقتراع، إن كانوا جادّين، ولديهم الاستعداد للاستماع لصوت الشعب ورأيه وتوجهه. ولكنّهم كما العادة، أو وفق المثل الشعبي: "كلام الليل يمحوه النهار!"، لأنَّهم يخشون الانتخابات.