"نتطلّع أن ينتقل الناس في بلادنا من الاحتياج إلى الإنتاج، أفرادًا وعائلات وجماعات، بهدف التخلص من ثقافة الاستهلاك وفك ارتباطنا مع اقتصاد دولة الاحتلال الإسرائيلي، والذهاب نحو الاعتماد على الذات". هذا ما قاله رئيس الوزراء د.محمد اشتية في مقابلة مع تلفزيون فلسطين بعد أداء حكومته اليمين الدستورية أمام الرئيس محمود عبّاس.

نستطيع من هذه الجملة أن نقرأ ما ستأتي به الحكومة الجديدة، من خفض للبطالة بخلق فرص عمل ممكنة، إلى تمكين الشباب في مواقع المسؤولية، إلى ترشيد الاستهلاك.

وهنا سأتحدث عن ترشيد الاستهلاك، وزيارة كنت فيها قبل حوالي ثلاثة شهور إلى أهم العواصم الأوروبية باريس، فيينا، أمستردام، ودعوني لا أبالغ إن قلت إن كل مظاهر الرفاه الخداعة، والرخاء الموجودة في بعض تفاصيل حياتنا اليومية، ليست موجودة في تلك العواصم.

تمنيت خلال فترة إقامتي في باريس أن أرى "رينج روفر" أو "جيب" أو "مرسيدس" أو حتى "ب.ام.دبليو" حقاً تمنيت لو لمرة واحدة أن أرى سيارة فخمة باهظة الثمن، ولم أر الناس هناك يرتدون الماركات الأوروبية والأميركية بزخم كما يفعل البعض منا...!!!

في باريس، رأيت رجال أعمال، وأغنياء وفقراء وأجانب يتنقلون بالمترو، وفي أمستردام رأيت الهولنديين يقودون الدراجات الهوائية من مدراء، ووزراء، ونساء ورجال، ومسنات ومسنين، وفتية وأطفال.

إنها شعوب وازنة بعقولها وحضارتها وعلومها، لا بالبذخ الشخصي والسيارات الفارهة، وأحلام العوالم الافتراضية، التي تقود إلى الانفصام عن الواقع، ولا ببيوتها الفخمة المرهونة بفوائد القروض البنكية، شعوب ليس برهان نجاحها ومكانتها الإنسانية، كثرة امتلاكها السيارات الفخمة، وتجديد موديلاتها، وتجديد الأجهزة الكهربائية والتكنولوجية التي لديها، ولأن بعضنا الفلسطيني وصل إلى حد المبالغة في الاستهلاك التفاخري (!!) واللهاث وراء لمعان المكانة الاجتماعية، تنازل عن رقي المستوى الثقافي والفكري والوعي الاستهلاكي.

لقد حولت النزعة الاستهلاكية، كل الكماليات في حياتنا، إلى ضروريات ولكي يحظى من تمكنت فيه هذه النزعة، بالمزيد من المال لإشباع هذه الكماليات فقد اضطر للعمل ساعات أكبر بجهد مضاعف، على حساب صحته وراحته النفسية والعصبية، لتوفير نفقات هذه الثقافة الاستهلاكية.

شراهة الاستهلاك لها الكثير من المخاطر على المجتمع الفلسطيني الواقع تحت بطش الاحتلال، حيث تسببت بخفض معدلات الادخار مما سينتج عنه خفض في مساهمة أفراد المجتمع في تحقيق المشاريع التنموية الحكومية.

واليوم وفي ظل ما نعيش من أزمة مالية خانقة، نتيجة المشاريع المشبوهة التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها صفقة ترامب الصهيونية، نحن بحاجة إلى تبني منهج عملي استراتيجي للتصدي لثقافة الاستهلاك، والتحذير من عواقبها السياسية والمجتمعية والاقتصادية، واعتقد انه من المهم أن تراجع الحكومة سياسة المصارف لقوننة تسهيلات القروض، لأن أكثر من ثلثي فاتورة الرواتب تبقى في البنوك آخر كل شهر لسداد القروض، كما هو مهم جداً للحكومة الجديدة أن تستثمر في العقول المنتجة.

ولا شك على الإطلاق أننا اليوم بحاجة إلى إعادة الاعتماد على ذاتنا، وتنمية قطاعاتنا الزراعية، والسعي لإنتاج السلع الضرورية، مهما كانت المغريات في الاستيراد، فلنرفع شعار الإنتاج الوطني الفلسطيني، وترشيد الاستهلاك، كما نرفع علم بلادنا، لنستطيع أن نخفف الأعباء والضغوط علينا، ونواجه سياسات المحتل بكل ما أوتينا من قوة وفكر وإنتاج وحضارة.

رهف البريمي