على قِلّتهم لا يرى المعترِضون على تشكيل الحكومة الثامنة عشرة، ضرورتها الوطنية الملحّة في المرحلة الراهنة التي تشتدُّ فيها الصعاب من كلِّ حدب وصوب، ولعلّ هؤلاء ليسوا معترضين بقدر ما هم مُناكِفون لأسباب حزبية وسياسية، وهُم لا يرون أنّ مهمة الحكومة الثامنة عشرة، كما الحكومات السابقة، هي في الأساس مهمّة العقد الاجتماعي في إطاره القانوني المعني بإدارة شؤون الحياة اليومية للمجتمع الفلسطيني بشرائحه ومكوناته المختلفة دون أي تمييز، وليس هذا فحسَب، وإنّما بالعمل على برمجة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والمعرفية بكلّ تفاصيلها، ومن خلال تخليق مقوّماتها الانتاجية، وعلى نحو ما يحقّق أوضح وأرقى منظومات الأمن والأمان المعيشي التي تؤمن الكرامة والعدالة الاجتماعية، وعلى ما بتنا نعرف، فإنَّ هذه المهمة مع الحكومة الجديدة، ستذهب إلى آفاق جديدة في البناء والتنمية والتطوير كما أعلن ذلك د.محمد اشتية بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، وخلال سعيه لإنجاز هذا التشكيل، وبعد أن أنجزه مباشرة في أوّل حوار له مع تلفزيون فلسطين.

هذا يعني أنّ حكومتنا الجديدة، مع الأوضاع الصعبة التي نعيش، هي حكومة العمل المضني المعني بالكل الفلسطيني، وإن لم يشارك فيها البعض من هذا الكل الجامع، وعلى أساس هذه الحقيقة، وهذا الواقع، فإنَّ الحكومة الثامنة عشرة ليست حكومة حزبية ولا فصائلية، بدلالة ما تحمل من مهمات العقد الاجتماعي، لإدارة شؤونها على نحو منتج، هذا ما يجعلها حقًّا حكومة هذا العقد، لا حكومة هذا الحزب، أو ذاك الفصيل، وإن كان عدد من وزرائها فصائليين، لكنّهم فصائليون في إطار الوحدة الوطنية التي لا تزال أبوابها مفتوحة للكل الوطني.

والحكومة الثامنة عشرة، بكونها حكومة الرئيس أبو مازن طبقًا للقانون الأساسي وبشرعيته، فإنّها كذلك وفي مواجهة التحديات الراهنة على الصعيد الوطني هي حكومة الموقف السياسي المستند إلى القرار الوطني المستقل، في الدفاع عن الثوابت المبدئية، وحماية المشروع الوطني التحرّري، بتعزيز حصونه المانعة، وتكريس الصمود سبيلاً من سُبُل المقاومة الشعبية وبما يقود تاليًا إلى تصعيد التصدي لصفقة ترامب الصهيونية، التصدي الذي سيكون أكثر فاعلية، كلَّما بات الحكم رشيدًا تمامًا في إدارة شؤون الحياة اليومية وتنميتها والتقدُّم بها نحو الازدهار والاستقرار المعنوي والمادي.

ليس ثمّةَ مستحيلات أمام الإرادة الوطنية الحُرّة، هذه الإرادة التي طالما اقتحمت أصعب، وأعقد ساحات الصراع والبناء معًا، ونحن أدرى أنّ من لا يحبُّ صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، وغلابا تعني العمل المخلّص والمضني، العمل المكلّف، ودائمًا العاقبة للمتّقين.