في اختتام مهرجان "حكايا فلسطين الرابع" (قمح وزيت)، وحمل شعار "نروي النباتات .. نروي الحكايات"، وتواصل لأسبوع انطلاقاً من جنين إلى كامل الجغرافيا الفلسطينية، احتضنت قاعة الجليل في متحف محمود درويش بمدينة رام الله، مساء أول من أمس، العرض الختامي للمهرجان، وقدمته فرقة "حكايا البلد" المكونة من عازفة الناي سيرين حليلة، والفنان محمد يعقوب الشهير بـ"أبي يعقوب"، والحكواتي حمزة العقرباوي، والحكواتية سالي شلبي، وهي الفرقة التي تشكلت نتيجة التعاون ما بين مسرح البلد والملتقى التربوي العربي وفرقة الرواة في الأردن، حيث قدموا بالرواية الشفهية المطعمة بأسلوب الحكواتي، وبأغنيات ومقطوعات موسيقية ثورية ووطنية، قصصاً من كتاب "ذاكرة حية" للكاتبة فيحاء عبد الهادي، وتتحدث عن حكايات التهجير التي رافقت النكبة والنكسة.

وعبر شخصيتي رشيدة وابن القاضي، تم سرد حكايات التشريد الفلسطينية المتواصلة، ورصد التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية، عبرهما، والحديث عن تواريخ مفصلية كالعام 1944، الذي شهد أول انتفاضة فلسطينية بالحجارة، وعام النكبة، والعام 1956، والعام 1967، وما تلاها، كما تم التنقل بنا ما بين عراق المنشية، وغزة، والخليل، ولبنان، والأردن، ومصر، وليبيا، وغيرها، في رحلة واكبت تطورات الفلسطيني من صاحب أرض إلى لاجئ إلى فدائي.

ولم تغفل الفرقة بالاتكاء إلى ما وثقته فيحاء عبد الهادي، الحديث عن الجانب الاجتماعي متمثلاً بالطبقية، وبمعاناة النساء، وخاصة رشيدة التي يطلقها زوجها، ويتزوج عقب النكبة بأخرى، ثم يأخذ بناتها، وحين يعلم بأنها لربما تحتفظ بمصاغها الذهبية، يعود إليها، لكن سرعان ما يرمي بها وبناتها هذه المرة إلى قارعة الطريق، حيث تخبره بأنها تركت المصاغ عهدة لدى والدتها التي لا يعرفون أين هي.

تفاصيل التفاصيل تناولتها الحكايات المرصعة بالأغنيات كـ"يويا"، و"سدد يا خوي"، و"دوس ما انت دايس ع الزناد"، وغيرها من الأغنيات التي أكملت القصص التي كشفت عن جوانب خفية في سيرة ومسيرة التهجير الفلسطينية، والتي هي جزء من نكبة تتواصل.

وانتظمت الأمسية تحت عنوان "خير يا طير"، بحيث توزعت الأدوار ما بين سالي شلبي الشهيرة بـ"شلبية الحكواتية"، وسردت حكايات رشيدة ما بين الإنساني والاجتماعي والوطني الجمعي، والحكواتي حمزة العقرباوي الذي أضاء عبر حكاية ابن القاضي على حياة الفلسطيني التي تغيرت منذ العام 1948 وما سبقه بقليل، وما بعد العام 1967 وما قبله وبعده، مسلطاً الضوء على محطات مهمة ومعلومات بعضها يطرق لأول مرة حول الفدائيين، والعمليات الفدائية داخل الأرض المحتلة وخارجها، فيما أعادت سيرين حليلة الاعتبار إلى حنجرتها التي بقيت يافعة إلى حد ما في العزف على الناي، وهو ما ينطبق على محمد يعقوب الذي استعاد أغنيات تراثية ووطنية بصوته الذي لم يفقد من قوته إلا القليل.

ولقد تماهى العقرباوي مع ابن القاضي بشكل كبير، فأدخلنا بين العائلة، وكأننا نحتسي القهوة مع أفرادها في المضافة، ونأكل أرغفة الطابون المغمسة بزيت الزيتون، وجعلنا نتخيل حجم حبة الحمص التي هي ثلاثة أضعاف مثيلاتها في المهاجر والمنافي، بل وأغضبنا حين أشعلوا ذيل القطة لتحرق وهي تهرع متألمة حقل القمح الذي بات للمحتلين.

أما حكايات سالي شلبية عن رشيدة، فجعلتنا نتمثلها أمامنا، هي وبلدتها "عراق المنشية"، نشتم رائحة البيض المقلي بالسمن، وننتظر مصير المصاغ، كما هي تنتظر مصير عودتها إلى بلاد كانت بلادهم، وكانوا يخالون أن مشوار العودة إليها لن يطول.