ما بين تقرير وزارة الخارجية الأميركية يوم الأربعاء الـ13 من آذار/ مارس الحالي، وأول امس الخميس الـ21 من ذات الشهر والسنة (2019) لا يزيد عن تسعة ايام، في التاريخ الأول أصدرت الوزارة تقريرها السنوي بشأن حقوق الإنسان في دول العالم، ولم يشر ذلك التقرير إلى الاستعمار الإسرائيلي، وانتهاكاته لا للقدس، ولا للضفة أو قطاع غزة، وغيبت الخارجية الأميركية عن سابق تصميم وإصرار صفة الاستعمار عن الأرض الفلسطينية المحتلة، ومرت مرور الكرام على جرائم إسرائيل. وفي التاريخ الثاني أول أمس غرد الرجل الفاقد الأهلية السياسية، والمتربع على سدة الرئاسة في الولايات المتحدة، قائلا: إنه حان وقت الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السورية العربية بعد 51 عاما من احتلالها، ضاربا عرض الحائط بالقوانين والمواثيق الشرعية الدولية، وخاصة قرار مجلس الأمن 497 الصادر بعد ثلاثة ايام فقط من قرار دولة الاستعمار الإسرائيلية ضم الجولان لها في ال14 من كانون أول/ ديسمبر 1981.
لم يكن إطلاق التقرير والتغريدة بمحض الصدفة، لا بل جاءت عشية زيارة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي لاميركا، لإلقاء كلمته أمام مؤتمر الايباك، ولقاء الرئيس ترامب يوم الاثنين (بعد غد، الموافق 25/3/2019) في البيت الأبيض؛ كما انها تأتي في سياق التماهي مع حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية وطموحاتها الاستعمارية؛ وكشكل من اشكال استقطاب القوى الصهيونية والمتصهينة في بلاد العم سام لدعم الرئيس ترامب وإدارته الغارقة حتى أذنيها في وحول الأساطير الدينية؛ بل استهتار بالعرب جميعا، وامتهانلكرامتهم، ولحقوقهم التاريخية، واستخفاف بمبادرة السلام العربية؛ وانعكاس لسياسة الرئيس الأميركي المتغطرس والنرجسي في تحدي العالم ومنظومته الأممية، وقراراتها ومعاهداتها ومواثيقها وشرائعها الدولية.
وعلى أهمية مكانة الولايات المتحدة، وثقلها العالمي حتى اللحظة، فإنها لا تملكالصفة التقريرية في مصير شعوب الأرض؛ولم يعد مصير الشعوب والدول أسير منطق ومحددات القرون الوسطى، ولا حتى زمن الحربين العالميين، ومحاولة استحضار الماضي البائس، رغم تمكن أميركا وإسرائيل من إطلاق وحوش الجماعات التكفيرية لتعيث فسادا في الدول والأوطان العربية باسم "الربيع العربي"، إلآ انها ليست مؤهلة، ولا تستطيع إملاء رغباتها على الشعوب والدول؛ اضف إلى انه لم يخولها أحد من الأقطاب الدولية بما في ذلك حلفاؤها المقربون من الاتحاد الأوروبي، لا بل العكس صحيح، ان دول العالم قاطبة في خندق، واميركا وإسرائيل في الخندق المقابل، ما يؤكد عزلتهما. وعليه فإن التوجهات الأميركية تتناقض مع قرارات الشرعية الدولية؛ كما انها لا تخدم بحال من الأحوال الاستقرار والأمن في الاقليم والعالم، لا بل تضرب ركائز السلام الاقليمي والدولي، وتشعل فتيل الإرهاب الدولي المنظم وغير المنظم، وتهدد مستقبل التعايش بين شعوب ودول المنطقة.
ولا يضيف المرء جديدا، عندما يؤكد أن سياسة إدارة تاجر العقارات، وصاحب التغريدات الهوجاء والمثيرة للجدل، التي لا تتفق مع ركائز الدولة الأميركية العميقة، وذات الشيء بالنسبة لتوجهات وزارة خارجيته، التي عكست رؤيته وسياسته، وفريق الترويكا الصهيوني المساعد له، انما تصب في دائرة التماهي مع مخططات وأطماع حكومة بنيامين نتنياهو المنحلة، وهي تخدم برنامجه الانتخابي، وتروّج لبضاعته الفاسدة، وتدعم التصويت له في مواجهة القوى الصهيونية الأخرى وخاصة كتلة "كاحول لافان" (ابيض أزرق)، وحتى هي بمثابة تقديم غطاء على قضايا الفساد الخمس التي تلاحقه.
لترامب ووزارة خارجيته، وفريقه الصهيوني والمتصهين، ان يطلقوا المواقف والتصريحات المعادية لمصالح الفلسطينيين والسوريين العرب، وبإمكانهم أن يتخندقوا في ذات الخندق مع قوى اليمين واليمين المتطرف في دولة الاستعمار الإسرائيلية، لكنهم لن يفلحوا في تغيير الوقائع، وسيخسرون آخر جزء من شعرة معاوية في العلاقة مع القيادة الفلسطينية، ولن يبقوا رصيدا لاي مصداقية أميركية مع الشعوب والدول العربية، حتى الحليفة لهم. كما ان وجود إدارة دونالد ترامب، عكس ما ذكر وزير الخارجية الأميركية، بومبيو، بأنها "نعمة، هبطت من السماء على إسرائيل"، الحقيقة انها لعنة على إسرائيل، وهي خطر داهم على الأميركيين والبشرية كلها.