كان لا بدَّ أن تصدر "حماس" بيانًا وإن كان متأخّرًا كالعادة لتوضح الحرب الأهلية الجديدة الثانية التي بدأتها ضد الشعب الفلسطيني بعد 12 عامًا من الانقلاب، وها هو البيان يظهر مخيِّبًا كل الأحلام والأوهام والآمال التي ظنَّ فيها البعض-وأنا منهم- أنّ حكماء أو عقلاء أو شرفاء "حماس" لربما يتدخلون وتكون لهم يد في ردع القمع اللاإنساني الذي مارسته الكائنات القادمة من المريخ كما فهمنا من البيان!

ولكن لا كان الاعتراف قائمًا، ولا كان الاعتذار في ختام البيان مُحقًّا أبدًا، وإذا ألقينا نظرة على البيان الهزيل نرى التالي:

أولاً: الاستهتار بالعقل العربي والفلسطيني عبر القفز عن الحدث والالتفاف عليه، ما أصبح سمة لبيانات فصيل "حماس"، إذ تبدأ بالعموميات بعيدًا عن الحدث الصاعق بغرض التشتيت وإعادة تصوير أي موضوع في إطار الحرب على المقاومة! أي على غزة، أي على "حماس"، باعتبار أنّ الثلاثة واحد، ما هو باطل بطلان التيمُّم حين حضور الماء، والماء هو الشعب الفلسطيني البطل.

أمَّا ثانيًا: فلا تمل لا "حماس" ولا "الإخوان المسلمون" التقليديون أو القطبيون، من تكرار أسطوانة المؤامرات ضدها، وهي فكرة أصيلة لديهم يتم استدعاؤها كل حين، وهي فكرة لا يمكن تذويبها، فلا يمكن بالطبع أن تكون "الأيادي المتوضئة" مخطئة! ولا يمكن أن تكون "قداسة الفكرة المعجونة بقداسة الأشخاص" ترتكب خطأ أو فاحشة! حاشا وكلا فهم أشباه أنبياء! ولا يخطئون! ولكن لحسن حظ الأمة المغيّبة عن الوعي سابقًا أنَّ حجم المرئيات التي بثَّها الناس مباشرة فيما هو وحشية وإرهاب دموي قد أسقطت أوهام المقاومة الحصرية أو الإسلام على منهج النبوة المدَّعي من قِبَل "حماس" التيار الدموي الحاكم في غزة.

أمَّا ثالثًا: فبدلاً من البسملة كان من المتوجّب في بيان "حماس" أن يبدأ بشتم السلطة، بما هو مكرور من تنسيق أمني، "حماس" ذاتها لا تخجل من ممارسته في غزة، ومن طعن بالسلطة المستسلمة وهو ذات فعل "حماس" المتناقض حين ترفض إطلاق رصاصة من غزة وتوزع الكنافة برصاصة من الضفة، ولكن هذا التناقض وهذا الشتم هو من مبررات التيار الظلامي الذي لا ينتج إلّا القداسة والمقدسون كما تعلمون لا يخطئون أبدًا، وعليه فمن المتوجّب رجم إبليس في بداية البيان وإبليس هنا هو السلطة الوطنية الفلسطينية لتكتمل مناسك الحج.

ورابعًا: كان من الضرورة الهجوم -بدلاً من الدفاع عن الوحشية والإجرام لهراوات بُغاة "حماس"- عبر الإشارة إلى أنَّ "حماس" سعت وما زالت للوحدة الوطنية ومَن رفضها هي حركة "فتح"، فهي لا تتحمَّل المسؤولية بالطبع ضمن شرط عدم الحديث بتخليها عن الإمارة التي هي نتاجها وزرعها الذي يجب أن يثمر.

أمَّا خامسًا: فكان لا بد من إلقاء القنبلة في وجه الذين ظنوا بـ"حماس" الحس الإسلامي أو الوطني أو الحس الإنساني فتتهم الشيطان المرجوم أي السلطة بالوقوف وراء الحراك الشبابي! لذلك أعدت السلطة حسب نص البيان: (خطة شاملة، وبدأت أجهزة الأمن في رام الله بالتواصل والتخطيط لإحداث قلاقل في غزة، وإعادة الفلتان الأمني الذي مارسوه سابقًا.. ضمن مخطّطهم الخبيث).

أمَّا سادسًا: كان منذ البداية بما أنَّ هناك مؤامرة يتوجب بالطبع إحباطها-كما كان شأن انقلاب 2007- وإن بالحديد والنار فهذه مؤامرة! وليس من أحبطها هراوات وعصي الأشرار الحاقدين -المجهولين لدى "حماس" كما يتبيّن من البيان!- الذين رضعوا الحليب الأسود من بطون الكتب الصفراء أو من فتاوى أئمة الفتنة في "حماس"، وإنّما من أحبطها الشعب! وقطعًا ضمن تصويره جزءًا من نظام "حماس" المتهاوي، بمعنى أن المقصود بالشعب هو شعب "حماس" كما هي المقاومة تعني "حماس" والإسلام لا يعني إلّا هي؟! إذ تقول في بيانها المضحك (ولقد استطاع شعبنا بوعيه وحرصه إحباط هذا المخطط وإفشاله في مهده، ووقفه عند حده، فشعبنا يعي تمامًا من الذي يحاصره، ومن الذي يعاقبه، ومن الذي يتآمر عليه، ويعرف تماما حجم الكذب والتضليل)!!

أمَّا سابعًا: فبما أن الشعب في غزة قد أحبط المؤامرة! فكان لا بد لفصيل "حماس" أن يساند ويستجيب للشعب! ما يوضحه البيان بدقة يحسدون عليها في سرعة الاستجابة! إذ يقول البيان (وعليه فإننا في "حماس"، ومع إحباط خطة الفلتان المنظم التي رعتها أجهزة التنسيق الأمني في رام الله.. نؤكِّد لشعبنا –أي لشعب "حماس" أي لحماس أي للمجرمين أصحاب الهراوات- ما يلي...) وبعد مجموعة من العناوين العريضة (الكليشيهات) من مثل ادّعاء المقاومة الحصرية والوحدة الوطنية يأتي البيان لمربط فرسه العاثرة ليقول: (نُقدّر عاليًا الحرص الشديد، والوعي الكبير الذي تمتع به أبناء شعبنا، وعدم انجرارهم نحو المؤامرة، بل والعمل على إفشالها)؟!

وثامنًا: بما أنّ المؤامرة قد أحبطت بمئات الجرحى والمكلومين وآلاف المتضررين نفسيًّا الذين تمَّ الاعتداء عليهم بوحشية قل نظيرها وصفها القيادي قيس أبو ليلى أنها ترقى إلى حرب أهلية، بعد ذلك يأتي دور حركة "حماس" التيار الانقلابي الدموي بإعطاء الأوامر أو النصائح الملتفة كالعادة على الحدث الأصلي الفاجع، وهل يحق للقاتل أن ينصح الضحية؟ عمومًا يأتي الدور بتلبس درع الوطنية فيقول البيان الهزيل: (ندعو قيادة "فتح" والسلطة في رام الله إلى العودة إلى الصف الوطني، فالتاريخ لن يرحم، وها هو العدو الصهيوني أمامكم، حاربوه بدلاً من حربكم الضروس على غزة وأهلها، فعار التنسيق الأمني يرافقكم، وعار التآمر على غزة يوم الجمعة 15 مارس يلاحقكم)؟!

أمَّا تاسعًا: فلا بدَّ من إكمال مسيرة صياغة البيان الصادر في 19/3/2019 فمن خَطّهُ بـ"قلمه المرفوع" يسير في خطة ليقتلع المؤامرة المتوهمة ميدانيًّا بالضرب بيد من حديد! وعبر البيان بقلم من مِداد أحمر يُلقي بالتهمة على غيره كما هي العادة، من حيث أن ما حصل لا يمثّل شيئًا بل هو شيء تافه! فلم يضرب أحد أو تكسر جمجمة أحد أو أرجل أحد، أو يعتلي سور بيت أحد! لأن كل هذا عبارة عن مبالغات حسب البيان العجيب أتت من (حجم الكذب والتشهير الذي مارسته آلة قيادة "فتح" الإعلامية) و(سلطة التنسيق الأمني المعزولة في المقاطعة).

وفي البند العاشر يأتي الاعتذار السخيف الذي تم تغليفه فيما سبق برد التهمة، وإلقائها على الغير وادعاءات المؤامرة الخ مما ذكرنا، ويتم التعامل مع الشعب الفلسطيني من علٍ وبمنطق التكبر عليه واحتقاره بشكل فاقع كأنه لم يرى ولم يسمع ولم يُضرب ويٌهان، إذ يقول البيان: (نقدر الأزمة الإنسانية التي يعيشها أهلنا في قطاع غزة، ونحن جزء منها، نعاني ما يعانيه شعبنا، ونعلم حجم المعاناة والألم الذي تحياه الأسر والشباب والخريجون، وهي أولوية جهودنا المستمرة)!؟ وبدون إشارة إلى أنّهم هم السبب الرئيس للأزمة لسبب أوحد هو التمسك بالكرسي الوثير للحكم الرباني المدنس.

أمَّا ختام البيان الهزيل فكان بعد سقوط آلاف الضحايا في المعتقلات وفي المستشفيات الذين ما خرجوا إلّا ليطالبوا بمعيشة كريمة هو الإعراب عن "الأسف" فقط! وليس الرفض أو الإدانة لأفعال المجرمين ومحاكمتهم بوضوح، أو التنصُّل من أفعالهم الوحشية! ما لن يكون لديهم فعل مجرمين، فكيف ذلك وطُغاتهم هم حُماة العرش العظيم؟

يقول البيان الهزيل في ختامه: (عليه فإننا نعرب عن أسفنا عن أي ضرر مادي أو معنوي أصاب أحد أبناء شعبنا؛ ونطالب الأجهزة الأمنية بإعادة الحقوق المعنوية والمادية لأي طرف وقع ظلم عليه)! ويا للهول! لا مطالب بالمحاسبة والعقاب الرادع للمجرمين الإرهابيين منهم مطلقًا إلّا في صياغة ضعيفة جدا حين القول بخلط الحابل والنابل أنه يجب: (محاسبة من ألقى قنابل يدوية ومتفجرات على رجال الشرطة، وأي تجاوز حصل من أي طرف يجب على الجهات المختصة محاسبته)! بمعنى أنّه لم يتم ذكر الطرف المعتدي من مليشيات "حماس" مطلقًا! وهو "الطرف" الذي مارس الإرهاب والقطع والتكسير "للأطراف" التي رآها الجميع رأي العين! كأنّه جاء من المريخ أو من المجهول! فهو يُشار إليه بخفة ونعومة ولطف شديد لم يكن بلطف هراواته التي كسرت "أطراف" الشعب أنَّه "طرف"! وطبعًا فإنَّ آخر كلمة بالبيان قبل الآية غير ذات الصلة بالموضوع هي (والخزي والعار للعملاء والمتآمرين).

ولكن، لكم أن تعلموا بوضوح يا سادة يا كرام، كما يقول البيان مبرّرًا ومسوّغًا ومؤيّدًا للقمع اللاإنساني وللإجرام والإرهاب للمواطنين أنه واجب وضرورة شرعية لماذا؟ لأنّه إذا عُرف السبب الرئيس بطل العجب النفيس! إذ يقول البيان التبريري الوقح أنّ حماسهم (تؤكّد أن الأحداث المؤسفة كانت تستهدف إفشال مليونية الأرض والعودة في الذكرى السنوية الأولى لمسيرات العودة وكسر الحصار في 30 مارس المقبل)؟!