الحراك الشعبي: بدنا نعيش، أو ثورة الجياع والفقراء في قطاع غزة مازالت متواصلة، رغم انفلات عقال بطش وإجرام ميليشيات الحقد والكراهية الحمساوية. وبات برنامج الدفاع عن الحقوق الدنيا للإنسان الفلسطيني، والذي يتركّز على تأمين لقمة عيش كريمة، غير مغمسة بالذل والمهانة، والمرتبط ارتباطًا عضويًّا بالعملية السياسية بمجملها من الاستعمار الإسرائيلي إلى الانقلاب الحمساوي إلى صفقة القرن، هو الناظم والحافز للجماهير الشعبية المسحوقة.

هذا الحراك/ الثورة بدأ، ومازال سلميًّا، ويرفض القائمون عليه حرف بوصلته، أو الشذ عن رؤيتهم العقلانية لانتزاع أبسط حقوقهم من خلال التظاهرة، والاعتصام، والإضراب، ورفع الشعار الواقعي والمسؤول. لكنه العميق عمق وجوهر المسألة السياسية المرتبطة بالمشروع التحرري الوطني، وطي صفحة الانقلاب الأسود. لذا تمكن القائمون على الإضراب من استقطاب القطاعات الجماهيرية الأوسع، وحفز القوى والفصائل السياسية لتأييد مطالبهم، وتقديم الدعم المعنوي لهم، ودعاها لعقد الاجتماعات العاجلة لمناقشة إرهاب ميليشيات حركة حماس ضد أبطال ثورة الجوع، وإصدار البيانات السياسية الفصائلية الفردية والوطنية العامة، المنددة بالاعتقالات لأبناء الشعب المطالبين بلقمة العيش، والإعلامين، ومحامي منظمات حقوق الإنسان، ومناضلي فصائل العمل الوطني وخاصة حركة "فتح"، ورفض التعدي على حرمات البيوت والعائلات المسالمة، واستهجان فرض الإقامات الجبرية، والطوق الأمني على المدن والمخيمات... إلخ. ممّا أثار ردود فعل عدد من قيادات حركة حماس الإخوانية أمثال يحيى موسى، وباسم نعيم وغيرهم من قيادات الانقلاب الحمساوي البشع، واطلقوا العنان لاتهاماتهم بـ"تعهير" و"تخوين" الفصائل، وإلصاق ابشع التهم بها، لأنها (الفصائل) رفضت الصمت، ورفضت التساوق مع مخطط وجريمة حركة الانقلاب الإخوانية، ولم يستسلموا لمنطق الترهيب.

غير أن عدم استجابة قادة فصائل العمل الوطني لصوت الانقلابيين الناعق كالغربان، ومواصلتهم الرفض لخيار قيادة الانقلاب. وإصرارهم على موقفهم، جاء بعد أن اكتشفت تلك القوى تواطؤ حركة "حماس" مع حكومة بنيامين نتنياهو على تمرير هدنة مذلة ورخيصة، لتعويم صفقة القرن عبر تثبيت ركائز الإمارة السوداء في القطاع، وتعميق الانقسام بين مكونات الشعب العربي الفلسطيني، وفصل القطاع عن الضفة، كما أعلن بيبي قبل أيام عن هدف السماح بتحويل الأموال للانقلابيين المتناقضين مع المشروع الوطني.

مع ذلك مازالت مواقف الفصائل بحاجة إلى تطوير، ورفع سقف المواجهة مع سياسات وانتهاكات وجرائم قادة الانقلاب الأسود، لا سيما وان الأهداف المطلبية للجماهير الفلسطينية المنتفضة في مدن ومخيمات القطاع تصب مباشرة في برنامجها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، الأمر الذي يحرجها أكثر فأكثر فيما لو وقفت عند حدود موقف المستنكر، والرافض لسياسات الانقلاب فقط. مع ذلك لم تسلم من أذية وبلطجة الانقلابيين عليها، وتم اعتقال العديد من كوادر الشعبية وغيرها من فصائل "م.ت.ف"، ويمكن الافتراض أنّ هذا الموقف يعتبر بمثابة المدخل المنطقي لانتقالها من حالة المراوحة، إلى مستوى جديد أرقى يتمثل بالرفض عبر البيانات لتلك السياسات. لكن الخطوة النوعية المطلوبة كي ترتقي الفصائل إلى مصاف ومواقع الجماهير الفلسطينية المظلومة والمسحوقة، تحتاج إلى الانخراط في الكفاح الشعبي المطلبي والسياسي مباشرة، والوقوف على رأس ثورة الجياع، والتقاط اللحظة السياسية لتتمثل دورها ومكانتها النضالية، وخاصة فصائل وقوى اليسار، صاحبة البرنامج الاجتماعي الملتصق بحاجات ومصالح الفقراء والمسحوقين وحتى الطبقة البرجوازية الصغيرة والمتوسطة، التي أنهكها الانقلاب وسياساته الضرائبية المتوالدة كالفطر. فضلا عن السياسات الاجتماعية والقانونية والثقافية المتناقضة مع النظام الأساسي (الدستور)، ومع مصالح الشعب العليا.

ولكي تمثّل صوت الشعب بقطاعاته وطبقاته الوطنية، تملي الضرورة على الفصائل عمومًا واليسار خصوصًا لتنهض بدورها، أن تتبنى حاجات ومطالب الاستثمارات الوطنية، التي أفلسها الانقلاب، واستباح حقوقها، ودفعها دفعا إلى هاوية الفقر والسجون، لأنّ مصانعها ومؤسساتها، وشركاتها وورشها سحقت وأغلقت، وباتت في خبر كان. وفي الوقت ذاته نقلت تُجّار الدين والدنيا والربا واللصوص وقطاع الطرق، والمافيات والخوات، والأنفاق، وتجار المخدرات والدعارة إلى مواقع طبقة الأسياد.

الثورة المتواصلة منذ يوم الخميس الماضي تحتم على فصائل العمل الوطني المختلفة التخندق في خنادق الشعب المخطوف، وتملي عليها الضرورة تحمل مسؤولياتها الكلية تجاه ثورة الجياع الطبقية والوطنية، والربط بين الشعارات المطلبية والوطنية لطي صفحة الانقلاب، ووأد صفقة القرن الترامبية، وقانون "القومية الأساس " الإسرائيلي، فهل تفعل؟