لو سألت أيّ طفل في قطاع غزة عن إطلاق "حماس" لصاروخين على منطقة تل أبيب ليلة الخميس على الجمعة الفائت، لأجاب دون عناء تفكير، أنّها مسرحية سخيفة ملّها الجمهور تمامًا. جماهير الشعب الفلسطيني في غزة تحديدًا، لأنّهم كما تريدهم "حماس" كومبارس مسرحيات "حماس"، وُهم يدركون أكثر من غيرهم أنّهم ودمهم وممتلكاتهم ومالهم القليل وتعبهم النفسي ومعاناتهم في خدمة مشروع "حماس" الإخواني الإقليمي وهو بالتأكيد ليس مشروعهم، لأنَّ مشروعهم هو وطني فلسطيني مستقل.

لاحظ الغزيون لسنوات عديدة أنّ "حماس" تأخذ منهم كل شيء هم على وجه الخصوص ومن الشعب الفلسطيني عمومًا ولا تعطيه بالمقابل أي شيء. حتى المال الذي تأخذه من قوى إقليمية لخدمة أجنداتهم وأجندة نتنياهو عبر (إسرائيل) هو لحماس وحدها، والرسوم والضرائب التي تنجيها بلا رحمة من الغزيين لها وحدها. وحتى عندما ترفع أسعار المواد الاستهلاكية بشكل جنوني تأخذ الفارق لها وعندما يحتج الشعب في غزة تقمعه بالنار والحديد وتكسر عظام الأطفال، تمامًا كما فعل رابين خلال الانتفاضة الأولى، كل ذلك جرى قبيل إطلاق "حماس" الصاروخين على مناطق فارغة من البشر في ضواحي تل أبيب.

لماذا أطلقت "حماس" الصاروخين؟

علينا أن ندرك أن "حماس" تعمّدت إطلاق الصاروخين وهي تعلم أنّها أطلقتهما بهدف ألا يحدثا أية خسائر بشرية وغير بشرية، إذ إن سبب الإطلاق تكتيكي، هدف "حماس" هو أولاً لخلط الأوراق كعادتها عندما تواجه غضب الشارع الغزي، الذي انفجر بشكل غير مسبوق في وجهها ووجه سلطتها القمعية يوم الخميس، وهو الغضب الذي تحول إلى ما يشبه الانتفاضة الشعبية. "حماس" قامت بقمع هذه الانتفاضة، التي رفعت شعارات محقة وعادلة ضد غلاء الأسعار. بوحشية وبالخطف والاعتقال بالعشرات. أدركت "حماس" أنّ غضب الشارع لن يخيفه القمع، فقد كسر الناس حاجز الخوف، فما كان أمامها إلّا أن تحاول قلب الطاولة في وجه الغضب وخلط الأوراق من خلال اطلاق الصاروخين. على منطقة تل أبيب، لأن أي منطقة أخرى قد لا تفي بالغرض.

لقد حصل الأمر ذاته قبل عام بالضبط عشية قرار "حماس" الانطلاق بمسيرات العودة، كان الشارع الغزي يغلي غضبًا عليها، فقامت بتحويل المشهد نحو (إسرائيل). في حينه تمّ استقبال هذا القرار من كل القوى الوطنية بالترحاب بالرغم من إدراكها أنّ "حماس" لها أهداف أخرى مختلفة، في مقدمتها هدف الوصول إلى هدنة طويلة مع (إسرائيل) مقابل حصولها على المال وبقائها مهيمنة على القطاع.

ومساء الخميس كان ملموسا التناغم بين نتنياهو وحماس فكلاهما له مصلحة بهذه المسرحية. وبالمناسبة كانت المسرحية مكشوفة إلى درجة أنّها كشفت كل مسلسل المسرحيات السابقة والتي دفع الشعب الفلسطيني وخاصة في عزة ثمنا باهظا جراءها، كما دفعت القضية الفلسطينية والمشروع الوطني ثمنا افدح.

السبب الآخر لإطلاق الصاروخين هو استعجال التهدئة مع (إسرائيل)، وحكومة نتنياهو فهمت رسالة "حماس" فجاء إعلانها الأخير أنّ "حماس" أطلقت الصاروخين عن طريق الخطأ، فكلاهما يلعب اللعبة ضمن الحدود المرسومة له. اليمين الإسرائيلي و"حماس" يتقاسمان المصالح المشتركة، بماذا بالدم الفلسطيني وعلى حساب القضية الفلسطينية. فقد أعلن نتنياهو صراحة أنَّ هدفه من إيصال المال لـ"حماس" وإجراء هدنة معها هو فصل قطاع غزة نهائيًّا عن الضفة، ومنع إقامة دولة فلسطينية، ولكن ما هو هدف "حماس" وما هي مصلحتها؟

أهداف "حماس" متعدّدة في مقدمتها المحافظة بأي ثمن على سيطرتها على قطاع غزة، ولكن الهدف الأهم هو تقديم نفسها وتقديم جماعة الإخوان كطرف قابل للدخول بصفقة القرن، وأن تعتمدهم إدارة ترامب كحليف أول لها في المنطقة، في اطار صراع المحاور الإقليمية وتنافسها.

فالرسالة الأساسية انه يمكن تقديم كل التنازلات لـ(إسرائيل) ومن حساب القضية الفلسطينية مقابل القبول بالجماعة ومحورهم الإقليمي حليفًا أولاً ومعتمدًا للولايات المتحدة الأميركية والصهيونية العالمية.

تهافت "حماس" الإخوانية في تقديم أوراق اعتمادها في صفقة القرن يهفت بالشعب الفلسطيني وقضيته

كيف علينا مواجهة هذا الخطر؟