عبر كلِّ العصور كانت هناك فجوة بين الأجيال، وفي بعض الأحيان كان البعض يُطلق عليه صراع الأجيال، هذه الفجوة، للمرة الأولى منذ أن أدركها الإنسان وبدأ يتحدّث عنها، هي اليوم شيء مختلف تمامًا عن كلّ ما مضى، إلى درجة أنّه لا يمكن التعامل معها بالمنطق التقليدي، لأنَّ ما نراه اليوم ليس فجوة بل انفصال، فنحن نعيش عمليّا عالمَين منفصلَين يتعايشان بشكل متوازٍ لكنهما متداخلان بحكم أنَّهما في الزمان والمكان نفسه.

الأمر ليس بحاجة للكثير من التحليل والتفسير، فقد داهمت البشرية قفزة تكنولوجية فاقت أي خيال وتوقع، فقد أصبحت البشرية تعيش عالمين، الأول واقعي، والآخر افتراضي، وأصبح الأخير أكثر استهواءً للجميع، تقريبًا لأنَّه عالم يمكن به أن يحقق الوجدانيات والراحة النفسية والمساحة الحرة، الافتراضية، دون تحمل أي مسؤولية يتطلَّبها العالم الواقعي.

الجيل الشاب، وبعضه ولد مع عالم الانترنت، أصبح يمضي الجزء الأكبر من حياته في العالم الافتراضي ويعيش أكثر مع جهازه النقال ويبني من خلاله علاقته مع العالم الواقعي، ما جعلني أكتب ما أكتب ليس الفجوة بيني وبين أبنائي، وإنّما بيننا وبين كل الجيل المشار إليه، في الكثير من المناسبات كنت أسأل الشباب، ذكورًا وإناثًا عن أشياء تبدو بديهية بالنسبة لي ولجيلي، لأتفاجأ أنّهم لا يعرفون عنها شيئًا، وبالمقابل كانوا هم يتحدثون بلغة وموضوعات تبدو لي غريبة وأحيانا غير منطقية.

الخطير في هذا الواقع الانفصالي، بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين، ولأنَّ لنا قضية ولا نزال تحت الاحتلال، فنحن للمرة الأولى لا نجد تناغمًا نسبيّا في المفاهيم المشتركة، هذا الأمر يستدعي التنبّه له، وأن يعطى الأولوية وربما أكثر من الانقسام السياسي الذي نعاني منه، فالانقسام بحد ذاته يبدو في عالم غير ذلك الذي يعيشه الجيل الشاب. والخطير في الأمر أنَّ هذا الجيل، الذي يعيش في عالم غير عالمنا، بالرغم أننا وهم نعيش في المكان والزمان نفسه، هؤلاء الشباب أبعدهم عالمهم كثيرًا عن الذاكرة الجماعية الوطنية، هذه الذاكرة التي تمَّ بناؤها من النكبة وحتى الآن، وتحديدًا الذاكرة التي بنتها منظمة التحرير الفلسطينية وما صاحبها من ملحمة نضالية قد تآكلت. والجيل الشاب أصبح بعيدًا عن جوهر الصراع وعناصره الأساسية، والتي بدونها من الصعب بناء وعي وطني جمعي حقيقي.

ليس هناك حل سحري للموضوع، فكلُّ المجتمعات تعاني اليوم من هذه الظاهرة لكنها شعوب حرة ومستقلة في دولها ولها مشاكلها المختلفة، على ما يبدو أنّنا بحاجة لتغيير أدواتنا وأساليبنا في العمل والتواصل مع هذا الجيل، وأن ندخل أكثر إلى الشباب من عالمهم الافتراضي ونعود نحن وهم لعالم مشترك هو بالتأكيد مزيج من العالمين.