يواجه حزب "يسرائيل بيتينو"، برئاسة أفيغدور ليبرمان، أزمة في الانتخابات العامة للكنيست، التي ستجري في التاسع من نيسان/أبريل المقبل، تتمثل بتراجعه في استطلاعات الرأي، واحتمال عدم تجاوزه لنسبة الحسم. ومنذ تأسيسه، اعتبر هذا الحزب أنه بيت المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق إلى إسرائيل، المعروفين باسم "المهاجرين الروس". لكن مع مرور الوقت، حدثت تغيرات وتحولات، أبرزها أن أبناء هؤلاء المهاجرين لا يؤيدون ليبرمان بغالبيتهم، رغم أنهم يمينيون، بينما كبار السن من المهاجرين الروس ما زالوا يؤيدون ليبرمان، لكن قسما كبيرا منهم توفى في هذه الأثناء.

ويبدو أنه في الانتخابات الحالية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم"، يوم الجمعة الماضي، تراجع اهتمام الأحزاب بجمهور المهاجرين الروس، لأول مرة منذ ثلاثين عاما، إذ أن معظم الأحزاب لم تشمل قوائم مرشحيها مرشحين من هذا الجمهور، وحتى أن ثلاثة مرشحين فقط بين المرشحين الستة الأوائل في قائمة "يسرائيل بيتينو" هم من المهاجرين الروس.

ومنذ بدء هجرة الروس الكبرى إلى إسرائيل، في العام 1989، تحول هؤلاء المهاجرون إلى عامل حاسم في نتائج انتخابات الكنيست، حسب الصحيفة، وحتى أن "الصوت الروسي" كسر التعادل الذي كان قائما في الثمانينيات لمصلحة اليمين. وقال المحاضر في العلوم السياسية والباحث المتخصص في موضوع المهاجرين الروس، البروفيسور زئيف حنين، للصحيفة، إن "الشائعات حول موت ’الشارع الروسي’ في إسرائيل سابقة لأوانها ومبالغ فيها".

وأضاف حنين أن "غياب مجتمع الناطقين بالروسية هو فنطازيا. والحقيقة مختلفة. فعندما ندقق بشكل عميق بأفكار يهود الاتحاد السوفييتي ونسألهم عن هويتهم الأيديولوجية والسياسية، فإن النتائج لا تشبه الصورة البادية في أوساط مجمل الجمهور الإسرائيلي. وهذا الوضع لم يتغير حتى مرور ثلاثة عقود منذ بدء الهجرى الكبرى. والاستطلاعات المتعمقة التي اطلعت عليها، وأجريت في منتصف العام 2017، تكشف أن أكثر من 60% من الإسرائيليين الناطقين بالروسية يصفون أنفسهم كيمين معتدل، وما بين 15% إلى 20% يصفون أنفسهم كيمين راديكالي أكثر. وفقط 3% منهم وصفوا أنفسهم كيسار، و15% إلى 20% وصفوا أنفسهم أنهم وسطيون". كذلك يميل الجيل الشاب إلى أحزاب اليمين، لكنهم أكثر اعتدالا من ذويهم.

أغلبية "الصوت الروسي" لليكود

أشار ديمتري غندلمان، وهو صاحب مكتب دعاية معروف في أوساط المهاجرين الروس، إلى أن "الوزن الانتخابي للمهاجرين الناطقين بالروسية يصل إلى 18 عضو كنيست، وقسم كبير بينهم يصوت لأحزاب اليمين. وتؤكد ذلك الاستطلاعات الانترنتية التي أجريت طوال السنوات الأربع الماضية. ورغم أن الاستطلاعات الانترنتية منحازة ولا تمثل الجمهور بمجمله، لكن بسبب الكمية الكبيرة للمشاركين فيها، من شأنها أن تدل على الاتجاه". ويشار إلى أن نسبة التصويت لدى المهاجرين الروس منخفضة قياسا بالنسبة العامة، ولم تتجاوز 61% في الانتخابات الماضية.

وأضاف غندلمان أن هناك فروق بين المصوتين لليبرمان والمصوتين لحزب الليكود بين المهاجرين الروس. "كلاهما يمينيان، ويعارضان تقديم تنازلات للعرب والاقتصاد الهستدروتي (أي النقابات). ولكن كلما ينظر المهاجرون لأنفسهم كإسرائيليين بكل معنى الكلمة، يزداد تأييدهم لليكود. وهذه مسألة تماثل مع الذات، وبطبيعة الحال، قوة ليبرمان بين كبار السن وخاصة المسنين. وبالمناسبة، بالنسبة للمهاجرين الذين اندمجوا في إسرائيل ثمة أهمية بالغة لوجود تمثيل للناطقين بالروسية في قائمة المرشحين، كي يدعموها، على غرار التمثيل اللائق في الليكود ليولي إدلشتاين (رئيس الكنيست) وزئيف إلكين (وزير). وبهذا المفهوم، ارتكب (رئيسا حزب "اليمين الجديد") نفتالي بينيت وأييليت شاكيد، خطأ كبيرا. إذ كان بإمكان اليمين الجديد أن يتحول إلى بيت سياسي بالنسبة لأجزاء كبيرة من المهاجرين من روسيا ودول الما بعد سوفييتية. والآن أصبح هذا غير ممكن بسبب غياب التمثيل الروسي عن القائمة، وهذه الأصوات ستتوزع بين أحزاب اليمين". ورأى حنين وغندلمان أن رئيس حزب "كاحول لافان"، بيني غانتس، سيواجه صعوبة في الدخول إلى "الشارع الروسي".

ليبرمان

"الصوت الروسي" هو يميني بالأساس. وقال رئيس معهد استطلاعات الرأي "ديالوغ"، البروفيسور كيميل فوكس، لصحيفة "هآرتس" يوم الجمعة الماضي، إن "المهاجرين في سنوات التسعين كان القاعدة الأساسية لحزب ليبرمان. قسم منهم كانوا يصوتون لنتان شيرانسكي. وهم يمينيون قبل أن يهاجروا إلى إسرائيل وبحثوا عن شخص بدا كزعيم قوي، وليبرمان استجاب لهذا التعريف. وهذه المجموعة بقيت مخلصة لليبرمان وليس بسبب اللغة، وإنما لأن حزبه ساعدهم من خلال وزارة استيعاب الهجرة وبالميزانيات أيضا. والسؤال هو كم بينهم بقوا مؤيدين لليبرمان".

ووفقا لتقرير "هآرتس"، فإن ليبرمان حظي بتأييد واسع في انتخابات الكنيست السابقة، عام 2015. فقد فاز بـ15% من الأصوات في أشكلون، 13% في أشدود، 13% في بئر السبع، 12% في بات يام، 27% في كرميئيل، و21% في نتسيريت عيليت. وكانت بلدة بني عايش الصغيرة، التي يسكنها مهاجرون من أصول روسية أو يمنية، تلقب بـ"عاصمة يسرائيل بيتينو"، حيث حصل على 5500 صواتا تقريبا.

ولفت الناشط في "يسرائيل بيتينو"، ليئون كورتوف، الذي يقطن في بلدة بني عايش، إلى أن "السكان هنا يكبرون، وتريد التصويت لأحد ما من وسطهم"، لكنه أشار إلى أن ابنتيه، اللتين ستصوتان لـ"يسرائيل بيتينو" إلا أنهما "ليستا روسيتان بعد الآن، وإنما أصبحتا إسرائيليتين ولديهما قيما مختلفة. وهما لا تفكران بمصلحة جمهور المهاجرين الروس وإنما بجيبهما".

والملامح العامة للروس في بني عايش، هي أن غالبيتهم العظمى في سن 80 عاما، ويدفعون أجرة شقة بمبلغ 950، لأن السكن مدعوم من الحكومة، ويتقاضون مخصصات من التأمين القومي بمبلغ 3500 شيكل، ويتحدثون الروسية، وبالكاد يعرفون اللغة العبرية، ويقضون أوقاتهم على المقاعد بين البنايات التي يسكنوها، ويصوتون لليبرمان فقط.

وقال المهاجر من أوكرانيا، فلاديمير بتروفسكي (81 عاما)، إن "جيل الأولاد بات يخجل من التحدث بالروسية، وكذلك الموظفات في البنك. وابنتي تسألني ’ما الذي فعله ليبرمان أصلا؟’. لكن ليس ليبرمان فقط الذي يهتم بنا. وإنما (وزيرة استيعاب الهجرة) سوفا لاندفر وآخرون. عقوبة الإعدام للمخربين؟ طبعا. تخفيف تعليمات إطلاق النار؟ طبعا. وليبرمان هو الوحيد الذي اهتم بالجنود" مشيرا إلى موقف الأخير الداعم للجندي القاتل، إليئور أزاريا.

وفي معرض الحديث عن حزب "يسرائيل بيتينو"، أشارت "هآرتس" إلى أن ليبرمان يحظى بتأييد واسع في القرى العربية الدرزية، حصل في الانتخابات السابقة على 22% من الأصوات في قرية ساجور، 17% في بيت جن، 28% في يانوح – جت، و41% في كسرى – كفر سميع. وكانت النتائج مشابهة في انتخابات العام 2013.

وقال أحد الذين التقتهم الصحيفة، إنه "لا ننسى أن ليبرمان هدد بالتدخل في الحرب في سورية إذا تعرض الدروز في قرية حضر لأذى. وقد منع بنفسه حدوث مجزرة بالدروز خلف الحدود. وكدرزي، فهذا وحده يكفيني كي أصوت له".