بعد عام بالتمام والكمال من محاولة الاغتيال الجبانة لرئيس الوزراء السابق، الدكتور رامي الحمدالله، ورئيس جهاز المخابرات العامة، اللواء ماجد فرج (13 آذار/ مارس 2018)، تأتي محاولة الاغتيال الرخيصة قبل يومين للأخ أحمد حلس، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" في قطاع غزة، لتصب الزيت على النيران المتقدة تحت الرماد في محافظات الجنوب، وتسعى لقطع بقايا ما تبقى من شعرة معاوية المتعلّقة بالمصالحة، ولتضاعف من حجم ومساحة الهوة والتناقض بين القوى السياسية الفلسطينية.

والمحاولة الجديدة لم تكن فعلاً شخصيا لفرد أراد الانتقام، ولا ردة فعل ونزق مجموعة متمردة، ولم تكن قبل ذلك فعلا لتلميع الذات، وتسليط الأضواء لحسابات شخصية، إنّما كان فعلاً خبيثًا، وخطيرًا، ومعدًّا بشكل مسبق لتحقيق أكثر من هدف، منها: أولاً استهداف التنظيم الأكبر، والعمود الفقري للنضال الوطني، حركة "فتح".

ثانيًا؛ خلط الأوراق في الساحة الفلسطينية كلها، وليس في محافظات الجنوب فقط.

ثالثًا؛ تعميق الفوضى السياسية والأمنية.

رابعًا؛ إثارة النزعات العائلية والقبلية، وتغليبها على الهم السياسي والاجتماعي والوطني.

خامسًا؛ من زاوية أخرى، تقديم خدمة مجانية إضافية للعدو الإسرائيلي وحلفائه لإشعال فتنة الحرب الأهلية.

سادسًا؛ وأد وتصفية أي بارقة أمل لبناء جسور المصالحة الوطنية، وقطع الطريق على الرعاية المصرية كليا؛ سابعا خلق أجواء أكثر ملاءمة لتمرير صفقة القرن الأميركية.

ولم يكن للقائمين على الجريمة الغبية والمأجورة تنفيذ جريمتهم لولا المناخ الملائم، الذي أوجدته، وأَصلت له حركة حماس الانقلابية لجهة فتح الباب واسعا أمام انتشار وفوضى السلاح؛ غض النظر عن قطاع الطرق واللصوص في تنفيذ جرائمهم دون رادع حقيقي؛ تصفية الحسابات بين المجموعات والتيارات المتنافسة داخل وخارج حركة حماس؛ التغطية على كل من يستهدف حركة فتح، ليس هذا فحسب، لا بل وإعطاء الضوء الأخضر لزعران وأذناب حركة "حماس" لارتكاب ما يشاءون من الموبقات بهدف تصفية حساب مع الحركة الرائدة والقائدة للمشروع الوطني، وهو ما يعني تواطؤ قادة أجهزة حركة حماس الأمنية مع الجناة القتلة. وبالتالي تتحمل حركة الانقلاب الحمساوية المسؤولية الأولى عن كل الجرائم، التي ترتكب في قطاع غزة، وليس محاولة اغتيال أبو ماهر حلس فقط.

ومن غباء قادة حركة الانقلاب الأسود، انهم بدل أن يتخذوا موقفا حازما، ورافضا للجريمة، لاحظنا أنهم وقعوا في شر بؤسهم، وفقر حال رؤيتهم السياسية والأمنية، حيث انبروا (الزهار، والبردويل، وبحر، وحماد ... إلخ) في تأويلات، ونشر إسقاطاتهم العبثية على العملية الجبانة، والمرفوضة. وحتى لو ذهب أي مراقب معهم إلى ما أدلوا به من مواقف شاذة، التي تعكس التشوه السياسي والأمني عندهم، فإن العملية المسؤول الأول والأخير عنها، هو قيادة الانقلاب الحمساوية، وليس أحد غيرها. لأن المسيطر، والمختطف لمحافظات الجنوب، والمنقلب على الشرعية، هو حماس، ومن يتسيد مجال الأمن، هو أجهزتها ومليشياتها الأمنية، وبالتالي أي عمل يمس أمن المواطن وبغض النظر عن موقعه، واسمه، وهويته، ومكانته الاعتبارية والاجتماعية، تتحمل مسؤوليته أجهزة ومليشيات حركة حماس، وحتى لو كشفت عن الجناة وحاكمتهم، وهذا اقل ما يفترض أن تقوم به. فإنها هي المسؤول الأول نتيجة سلوكياتها الفوضوية، وترك الباب على الغارب لفوضى السلاح، ولتوالد ونشوء جماعات التكفير والتطرف، وغض النظر عن سياسة التصفيات بين الأطراف المتنازعة، ولكونها القوة الانقلابية المسيطرة على رقاب الناس والمحافظات الجنوبية، فهي الحامل الأول والأخير للمسؤولية، ولا يمكن تبرئتها من أية جريمة ترتكب في قطاع غزة مهما كانت صغيرة.

والدرس الأساسي من الجريمة الجديدة، لا يقتصر على إغلاق الدكاكين التكفيرية، ووقف فوضى السلاح، ولجم العصابات، وحروب التصفيات الداخلية والبينية بين التيارات والقوى المتصارعة، إنّما بالعودة عن خيار الانقلاب فورًا، ودون تردد، والالتزام بمبدأ نظام سياسي واحد، وقانون واحد، وسلاح واحد، والاندفاع بقوة نحو المصالحة الوطنية، والكف عن المتاجرة الرخيصة بصفقة القرن، والأجندات الإقليمية والدولية، والتوقف عن السقوط في متاهة الهدن الارتجالية والمذلة. فهل تتعظ وتتعلم الدرس قبل فوات الأوان؟