رغم التعتيم، والتغطية الأميركية على جرائم الحرب الإسرائيلية، والعمل بكل الوسائل لتبرئتها من الخطايا اللاإنسانية، والدفاع المستميت عنها أمام المحافل الدولية، ومدها بكل مقومات البقاء لمواصلة استعمارها للأرض الفلسطينية العربية، والمزاودة عليها في التصدي للقوانين والأعراف والمواثيق الدولية، إلّا أنَّ العالم لم يخلُ من ضوء هنا، وضوء هناك يلامس الحقيقة، ويُميط اللثام عن وجه الدولة الاستعمارية الفاشية، ويكشف فجورها، وهمجيتها الوحشية ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني.

قبل يومين أصدرت اللجنة الدولية المستقلة، المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان الدولي بتاريخ 18 أيار 2018، تقريرَها حول الانتهاكات الخطيرة لجيش الموت الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني في محافظات الجنوب، أكَّدت فيه وبعد الاطّلاع على آلاف الوثائق، واللقاء مع مئات الشهود، أنَّ دولة (إسرائيل) مارست القتل المتعمَّد للأطفال والنساء والشباب والشيوخ، الذين كانوا يتظاهرون بشكل سلمي على السياج الحدودي أسبوعيًّا بالآلاف منذ الثلاثين من آذار 2018، للمطالبة بحقهم في تطبيق حق العودة لديارهم وبياراتهم ومدارسهم ومؤسساتهم، التي طُرِدَ منها آباؤهم وأجدادهم في عام النكبة 1948، وما زالوا يرزحون في مخيّمات التشرُّد والجوع.

وأعلن سانتياغو كانتون، رئيس اللجنة المستقلة، أنَّ "الجنود الإسرائيليين ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان الدولية، وللقانون الإنساني، وتشكّل بعض هذه الانتهاكات جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية، ويجب على (إسرائيل) التحقيق فيها فورا". وهي ليست المرة الأولى، التي تصف فيها التقارير الأممية دولة إسرائيل الخارجة على القانون، بارتكابها جرائم حرب ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني عمومًا، وفي قطاع غزّة خصوصًا، ومن بين تلك التقارير، تقرير القاضي اليهودي الجنوب أفريقي، ريتشارد غولدستون، الذي كلَّفته لجنة حقوق الإنسان في مطلع إبريل 2009 لترؤّس لجنة مختصّة وفحص الآثار الخطيرة، التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في عدوانه على القطاع، الذي شنّته في الـ27 من كانون الأول 2008، حتى الـ 18 من كانون الثاني 2009، وأصدر تقريره النهائي في 15 أيلول 2009، والذي أكَّد فيه، أنَّ جيش الحرب الإسرائيلي ارتكب جرائم حرب ضد الفلسطينيين الأبرياء والعُزّل... إلخ من التقارير والقرارات الأممية، التي تضمَّنت صراحة توجيه التهمة للدولة الاستعمارية الفاشية بارتكاب جرائم حرب، ولا أودُّ العودة لسلسلة المجازر قبل النكبة 1948 وبعدها وحتى الآن، التي ارتكبتها، وترتكبها الدولة الصهيونية ضد أصحاب الأرض والتاريخ الفلسطيني.

التقرير الجديد يُشكِّل إضافةً نوعيّةً، وليس كميّةً للتقارير السابقة، والذي يملي علينا:

أوّلاً، تحويل التقرير إلى محكمة الجنايات الدولية لملاحقة القيادات الإسرائيلية كمجرمي حرب.

ثانيًا، إلزام دول وأقطاب العالم بالخروج عن صمتها، أو صوتها الخفيض، وضرورة رفع الصوت، وتغيير النهج المتَّبع ضد الدولة الإسرائيلية، وتحويل بيانات الاستنكار إلى إجراءات عقابية ضد الدولة وجيشها وقياداتها السياسية، وضد اقتصادها.

ثالثًا، التصدي لمواقف الإدارة الأميركية الحالية، المتماهية مع حكومة اليمين المتطرّف بقيادة نتنياهو الفاسد في جرائم حربها، وإلزامها بالالتزام بالقانون الدولي ومرجعيات عملية السلام، والكف عن السياسات الممنهَجة المتناقضة مع حقوق الإنسان، وتقارير المنظمات الأممية.

رابعًا، إلزام الأشقاء العرب باتّخاذ مواقف أكثر وضوحًا وجرأة ضد دولة الاستعمار الإسرائيلية، والتوقّف عن سياسة التطبيع المجانية فورًا، ورفع الكرت الأحمر في وجه (إسرائيل)، بدل الصمت المريب، الذي تلوذ به بعضها... إلخ.

ولعلَّ اللحظة السياسية باتت مناسبة لملاحقة نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرّفة، في ظل افتضاح فساده، وتوجيه الاتهام له من قبل المستشار القانوني للحكومة، وأيضًا في ظل تبنيه ودعمه للقوى اليمينية والأكثر فاشية في (إسرائيل)، وتنكُّره لعملية السلام، واستباحة الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية حيثما وُجِدُوا في زمن حملة الانتخابات البرلمانية، فبدلَ أن يبقى وأقرانه من جماعات اليمين المتطرّف في حالة الهجوم على الثوابت الوطنية الفلسطينية، يفترض أن تتصدَّى "م.ت.ف" لهذا الهجوم متسلّحةً بالتقرير وقرارات الشرعية الدولية، وبالتوجه للمنابر الأممية وخاصة محكمة الجنايات الدولية وغيرها من المنابر ذات الصلة لكبح الهياج العنصري، وتقليم أظافر الفاشية الصهيونية الحاكمة إلى الحد الأقصى إن استطاعت لفتح الأفق لبناء ركائز السلام.