في الحرب الأميركية الإسرائيلية المفتوحة على الشعب والقيادة والمشروع الوطني الفلسطيني، لجأت إدارة ترامب وحكومة اليمين المتطرّف بقيادة نتنياهو إلى توسيع دوائر حربها على الدولة الفلسطينية بهدف تضييق الخناق والحصار المالي على السلطة الوطنية، وبدأت المؤسسات الأميركية ذات الاختصاص بالضغط والملاحقة للبنوك العالمية لعدم تحويل الأموال لخزينة وزارة المالية الفلسطينية، وفي اللحظة نفسها، أعلن نتنياهو عن نيّة حكومته خصم أموال أُسُر الشهداء وأسرى الحُرّيّة من أموال المقاصة الفلسطينية. وهو ما يعني عمليًّا ليس تخفيف أموال السلطة الوطنية فقط، بل الحؤول دون التعامل فيما بينها وبين البنوك العالمية، وتضييق الخناق على عمليات الاستثمار والمستثمرين في فلسطين، وشل سلطة النقد الفلسطينية (البنك المركزي الفلسطيني) عن القيام بمهامها المالية على الصعد الداخلية والخارجية، والهدف من الحصار الإرهابي المجرم، هو الضغط على قيادة منظمة التحرير عمومًا، ورئيسها خصوصًا للاستسلام لمشيئة الإدارة الترامبية، وتمرير صفقة القرن المشؤومة، ومن الزاوية الإسرائيلية يتمثَّل الهدف، بإلزام قيادة المنظمة بالتخلي عن أبطال الحُرّيّة وذويهم، وتحويل الكيانية الفلسطينية إلى أداة "لا وطنية"، ومرتهَنة لإملاءات وسياسات محور الشر الأميركي الإسرائيلي ومن لفَّ لفّهم.

ومن نافل القول، إنّ إدارة ترامب ومعها القيادات الإسرائيلية الاستعمارية في الحكم وخارجه تحلم أحلام يقظة غبية، حتى أنَّها باتت تعتقد، أنَّ قيادة منظّمة التحرير للحظة تحت كل مركبات الحرب والضغط والإرهاب المنظَّم الأميركي/ الإسرائيلي يمكن لها أن تتخلّى عن هُويّتها، ودورها، وتاريخها، وثوبها الوطني. وافترض أولئك المجرمون في أميركا و(إسرائيل)، أنَّ المرونة السياسية الفلسطينية، وتمسُّكها بخيار السلام، ورغبتها ببناء جسور التعايش مع المجتمع الإسرائيلي على أُسُس ومرجعيات عملية السلام الممكنة والمقبولة، يدفعها لأن "تخلع" ثوبها، و"تُلقِي" بأهداف الشعب وثوابته الوطنية إرضاء لأميركا وحليفتها الاستراتيجية، دولة العار والجريمة، الخارجة على القانون. وتجاهل أولئك المتغطرسون، وأميو السياسة، الذين أعمتهم القوة العمياء، وافترضوا أنَّهم عبر سياسة البلطجة، والحصار يمكنهم تطويع إرادة الرئيس محمود عبّاس والقيادة الفلسطينية، حتى نسوا أنَّ الشعب العربي الفلسطيني واجه الحصار بألوانه وأشكاله ومسمّياته، وما زال خلال ما يزيد على السبعين عامًا خلت، ولن تثني إرادته قوة في الأرض مهما بلغ جبروتها ووحشيتها.

غير أنَّ التأكيد على صلابة الموقف الرسمي والشعبي الفلسطيني في مواجهة التحدي الماثل أمامها، ليس كلَّ المطلوب فلسطينيَّا بل إنّ الضرورة تتطلَّب اتِّخاذ مواقف وإجراءات قانونية ومالية لصد الهجمة الأميركية الإسرائيلية، والتوجه للمحاكم الدولية ذات الصلة لإفشال المخطط المعادي، وقبل ذلك وقف التعامل باتفاقية باريس، وقطع كلّ أشكال التنسيق مع (إسرائيل). وأيضًا التوجه للأشقاء العرب، لا سيما أنَّنا على أبواب عقد القمة العربية القادمة في تونس، لاتِّخاذ ما يلزم من الإجراءات لكبح الجريمة الجديدة. غير أنَّ الدور المركزي يفترض أن تتحمّله الأمم المتحدة، والأقطاب الدولية: الاتحاد الأوروبي، وروسيا والصين واليابان والهند والأرجنتين إلخ من الدول والمنظمات القارية والأممية. لا سيما أنَّ الاعتداء والبلطجة الأميركية تتنافى مع مواثيق وأعراف الأمم المتحدة، كما أنَّ ما تتّخذه أميركا من إجراءات يعتبر اعتداءً صارخًا على دولة عضو في الأمم المتحدة، لم ترتكب أيّ سياسات خاطئة، أو متناقضة مع ميثاق وقوانين ومعاهدات الأمم المتحدة، بل تعمل على تطبيقها، والالتزام بها. فضلاً عن أن،َّ إدارة ترامب وحكومة (إسرائيل) تضربان الركائز المتبقية من خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967.

المطلوب من العالم تجييش حملة أممية رادعة للإدارة الأميركية المأفونة والمارقة، التي يقودها رجل نرجسي وأهوج، لا يفقه ألف باء السياسة إلّا وفق مصالحه وحساباته الضيّقة. ومن المفيد الاستفادة من الحراك الأوروبي، الذي تقوده إيرلندا لمواجهة صفقة القرن خلال الأيام القادمة في التصدي لقرار إدارته، ووأد نزعات الاستعماري الإسرائيلي نتنياهو، وأركان حكومته المنحلة.