تقرير: يامن نوباني

بعد الكثير من الاستفسارات شرق بيت لحم، أوصلتنا مركبة عمومية انطلقت أمامنا من مدخل بلدة زعترة، حتى مدخل جب الذيب، فالطريق بحاجة للكثير من الاستفسار والاتجاهات.. لا لافتة ولا خط مواصلات ولا مؤسسة أو شركة تضع اعلانا في الطريق، تدل على أنك تسير نحو "جب الذيب".

بعد صعود طويل (1.5 كيلو متر شرق زعترة) في شارع فارغ من المارة والسيارات، وصلنا تجمعا صغيرا لبيوت متلاصقة.. طفل في حدود الثالثة من عمره يجلس في منتصف الشارع، ونسوة يتربعن في ساحة صغيرة بين بيتين، حيث ملتقى جميع نساء "جب الذيب" وأحاديثهن اليومية.

حديث النساء كان ذلك الصباح عن جارتهن التي توفي جنينها خلال الولادة الليلة الفائتة، المواطنة فادية الوحش، قالت: جاءها المخاض في التاسعة مساءً ولم نتمكن من العثور على سيارة تقلها لأقرب مستشفى إلا في الواحدة بعد منتصف الليل، وحين وصلت المستشفى كان طفلها قد توفي.

يعيش في جب الذيب (16 كيلو متر شرق بيت لحم) 170 نسمة يقيمون في 26 منزلا، وتتعرض القرية التي بلغ عدد سكانها في 2007 نحو 700 نسمة، إلى هجرة مستمرة إلى البلدات المحيطة والى مدينة بيت لحم.

22 عائلة هاجرت بسبب افتقار القرية إلى الماء والكهرباء، قال مواطنون.

ندرة السيارات وعدم وجود مركبات عمومية، هي أحد أوجه معاناة جب الذيب، فالمدرسة الوحيدة في القرية، تبعد 1.5 كيلو متر عن بيوت المواطنين، والتعليم فيها حتى الصف الرابع الأساسي فقط، ويضطر الطلبة فيها لسلوك طريق ترابية وعرة، كما يضطر الطلبة بعد انهائهم الصف الرابع للانتقال إلى مدارس القرى القريبة، في قريتي بيت تعمر وزعترة.

في جب الذيب 67 طالباً، منهم 17 طالبا يدرسون في مدرستها الأساسية والتي يدرس بها أيضا 27 طالبا من منطقة الزواهرة، والباقون موزعون على خمس مدارس في المحيط.

المواطنة فادية الوحش، قالت: إن قرية جب الذيب تأسست سنة 1890 بحسب "رزنامتها" التاريخية، ونسب اليها هذا الاسم لشهرة المنطقة بالذئاب بسبب طبيعتها الجغرافية الموحشة والقريبة من الصحراء، حيث أن أقرب نقطة إليها هي بلدة زعترة وتبعد 3 كيلو ميتر.

وحول التعليم وإصرار الأهالي على وجود مدرسة ولو ابتدائية، أضافت الوحش: لا نريد أن يشاهد أولادنا ما شاهدناه. نريد لهم أن يتعلموا ويعيشوا حياة كريمة وجميلة. لذا عملنا على توفير الدعم لبناء مدرسة جب الذيب الأساسية بعد أن تبرع لنا أحد المواطنين بقطعة أرض.

وعن طبيعة الأعمال التي يمارسها أهالي جب الذيب، قالت الوحش: القرية مقسومة إلى قسمين، قسم يعمل داخل اراضي عام 48، وقسم يعتمد على الثروة الزراعية والحيوانية. لدينا مزارع دجاج وأغنام، وأراضي مزروعة بالزهرة والفجل والملفوف والكوسا وغيرها من النباتات الموسمية.. ولدينا موظفة واحدة في القرية وتعمل معلمة. وهناك عدد من الخريجين لكنهم بدون عمل.

وفي جب الذيب عائلتان، هما: "خميس" و" ابو اللية أو سلامة".

ظروف قاهرة عاشها أهالي قرية جب الذيب قبل أن تتوفر فيها الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية وبتمويل هولندي عام 2016، وتم الاستيلاء عليها من قبل الاحتلال بعدها بأشهر قليلة، قبل أن يتم استرجاعها في تشرين الأول عام 2017.

"كنا نغسل على أيدينا، ونطبخ على حجمنا حتى لا يتلف الطعام.. وكنا أيضا نتلف أدوية نتيجة لعدم حفظها بالشكل الجيد نظرا لعدم توفر ثلاجات، شخصياً كان لدي طفل مريض بالربو ونظرا لعدم توفر تبخيرة وكهرباء اضطررت للنوم به في المستشفى 32 مرة" تقول الوحش.

وتضيف: اليوم بعدما توفرت الكهرباء أصبحت الغسالة نعمة كبيرة علينا، وبتنا نشرب ماء وعصائر باردة بعدما أمضينا عشرات السنوات نشرب الأشياء غير مبرّدة، وخاصة في رمضان. أحد أبناء القرية أنشأ مشروع مزرعة دجاج، لكنها كثيرا ما فشلت، لحاجتها للتدفئة والإنارة.

وحول اعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال وبشكل خاص على الرعاة والمزروعات، تقول الوحش: الزراعة والأغنام عدو للمستوطنين والجيش، يحاصروننا في بقع محددة وصغيرة بالكاد تسد رمق مواشينا أو تطعمنا من مزارعنا، كنا ننظر خلال الربيع إلى أراضينا المحاذية للمستوطنات ونقول: خسارة على الربيع! حشائش كثيفة لكنها ليست في متناول اليد.. نطعم مواشينا صيف شتاء من العلف.

عن الهجرة من القرية تروي الوحش: تزوجت هنا منذ 23 عاما، ورأيت كيف يهاجر الناس بعدما تضيق عليهم الحياة، كما حدث مع عائلة زوجي والتي كانت تملك قطيعا كبيرا من الماشية، واضطرت لبيعه وشراء قطعة أرض وبناء مسكن جديد بعيدا عن القرية، كما هاجر البعض إلى ألمانيا، فكل شيء نحتاجه نضطر بسببه إلى طلب تكسي، حيث تكلفة المواصلات تصل ما بين 40-50 شيقلا للوصول إلى بيت لحم. وأكثر ما نعاني منه وسبب كبير للهجرة، هو زواج أبنائنا، لا يوجد مكان للبناء وإن وجد فلا فتاة تقبل العيش في قرية بدون أدنى خدمات أو مقومات للحياة.