جسد الرئيس أبو مازن معنى جديدا للكرامة الوطنية عندما وجه وزارة الخارجية والمغتربين لإرسال مذكرة إلى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وإعلامها رفض حكومة السلطة الوطنية إستلام أي مساعدات مالية أميركية للمؤسسة الأمنية حال تطبيق القانون الأميركي الجديد الذي يتيح للأميركيين رفع دعاوى قضائية على أي جهة تتقاضى مساعدات من الإدارة الأميركية وتقدم دعما لأشخاص أو منظمات تقوم " بأعمال إرهابية!!.

ما نعتبره ويعتبره القانون الدولي كفاحًا ومقاومة مشروعة يعتبره المستعمرون المستوطنون المحتلون القدماء والجدد الخارجون أصلا على القانون الدولي إرهابًا، أمَّا الإرهاب الحقيقي فهو الاحتلال والاستيطان والتغيير الديمغرافي، والمجازر بحق مواطني الأرض الأصليين، وإجبارهم على الهجرة منها، وتشريد الملايين ومنعهم من العودة إلى موطنهم، الإرهاب الحقيقي، هو إبادة عائلات بأكملها، ونكران حق شعب بالحياة والحرية والاستقلال وتقرير المصير، الإرهاب الحقيقي في دولة لا تكف سلطة التشريع والقضاء فيها عن إصدار قوانين وقرارات عنصرية، تعتبر كارثة على الإنسانية اذا قورنت بقوانين في العصور الوسطى الإرهاب الحقيقي كنموذج للاستدلال عليه الذي يعتبر من أعظم جرائم الحرب في القانون الدولي هو ما تفعله يوميا منظومة الاحتلال الاستعماري الاستيطاني العنصري الإسرائيلية.

فصّلت إدارة ترامب هذا القانون الإرهابي العنصري الأميركي المنحاز لدولة الإرهاب المنظم إسرائيل، وهي على أرضية إمكانية تشديد الحصار على قيادة الشعب الفلسطيني وحركة التحرر الوطنية الفلسطينية، تمهيدا لنسف مبادئها، وإخضاعها لإجبارها على التراجع عن الوفاء لعائلات الشهداء وحقوق ذويهم وأبنائهم والالتزام بحقوق الأسرى، وفوق كل ذلك ظنهم بإمكانية تغيير دمائنا وتحويلنا من مناضلين في إطار حركة تحرر وطنية الى مجرد مرتزقة!!.

ما كان لإدارة دونالد ترامب الأميركية التمادي وإخراج هذا القانون لولا بشائر وصلتهم من جماعة الإخوان المسلمين فرع فلسطين المسمى حماس، دفعتهم للاعتقاد إن دماء الفلسطينيين، وحقوقهم، وأهدافهم وثوابتهم ومبادئ ثورتهم، وقيم الكفاح والنضال خاضعة لقانون العرض والطلب كأي سلعة تجارية، أو إنها كقطع ثلج تذوب فور سطوع شعاع الحقائب المليونية.

الرئيس محمود عباس أبو مازن سبق بتوجيهاته تقارير صحفية وتسريبات حول مساع تبذلها إدارة ترامب للبحث عن مخارج قانونية لضمان استمرار المساعدات المالية للمؤسسة الأمنية الفلسطينية، ذلك أن الرئيس ومعه القيادة الوطنية والأحرار في فلسطين لا يقبلون أي شرط على المنح أو المساعدات يمس جوهر القضية الفلسطينية، أو أي حق من حقوق الشعب الفلسطيني، فهذه المنح أو المساعدات فهي التزامات تعهدت بها الإدارة الأميركية اثر اتفاق أوسلو الموقع مع إسرائيل على أساس بناء مؤسسات لدولة فلسطينية كان ينتظر قيامها قبل حوالي عشرين عاما، لكن دولة الاحتلال وبغطاء وتشجيع من الإدارات الأميركية المتعاقبة قد أجهضت ولادة السلام في المنطقة بامتناعها عن تنفيذ الاتفاق وما تلاه من اتفاقيات.

عندما خاطب الرئيس ابو مازن الشعب الفلسطيني قائلا:ً "ارفعوا رؤوسكم فانتم فلسطينيون" فهذا تعبير عن إيمانه اللامحدود بكرامة هذا الشعب، واطمئنانه إلى حقيقة لا جدال فيها بأنها أعظم من قدرة كائن أو دولة أو حتى دول مجتمعة على احتوائها، والسر في ذلك الإيمان بالحق التاريخي والطبيعي في ارض الوطن فلسطين الذي لا يتقدم عليه إلَّا الإيمان بالله الذي مكن الشعوب المظلومة من الانتصار، وأبصرنا آيات في قوة الظالمين التي تحولت إلى ركام، وآل بعضها للاندثار، بفضل قوة المؤمنين بحقوقهم، والمدافعين عن أوطانهم، الملتزمين بقيم الإنسانية وشرائعها في الكفاح والنضال، المنظمين، المجتمعين على قلب وعقل وهدف واحد.

بإمكان المشرع الأميركي إصدار قانون كل يوم ، لكن أيام الزمان ستنتهي قبل تمكنهم من شراء كرامتنا، فرئيس الشعب الفلسطيني، رئيس السلام الإنسان أبو مازن صرخ بوجه المستكبر قارون وفرعون العصر: "القدس ليست للبيع"، ونحن نردد مع الرئيس ونسمعها للقاصي والداني: "كرامتنا ليست للبيع".