المناضلة الأممية أنجيلا ديفيس، إسم لامع في التاريخ الأميركي والعالمي المعاصر. تبوأت مكانتها الأممية بعد عمليات التشهير والتحريض عليها من قبل الشرطة الاتحادية الأميركية، ثم اعتقالها من قبل أجهزة الأمن عام 1972 بتهم باطلة مثل "الخطف" و"القتل العمد"، واعتبارها واحدة من أخطر عشرة "مجرمين" في الولايات المتحدة، وكل ذلك التزوير والهجوم على المناضلة ديفيس يعود، لأنها حملت راية الكفاح ضد الاضطهاد والعنصرية، والدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحقوق السجناء. وتم اعتقالها ستة عشر شهرا، وكادت تنفذ ضدها عقوبة الإعدام، غير ان حركة النضال الأممي، التي عمت العالم، ووعت عمليات التزوير والافتراء من قبل أجهزة الأمن والقوى اليمينية العنصرية الأميركية على المناضلة الشجاعة ديفيس حالت دون ذلك، وسمحت بالإفراج عنها.

هذه المرأة الأميركية البطلة نموذج آخر من الشعب الأميركي، لا تتماهى مع مرتكزات نظام الرأسين (الحزبان الجمهوري والديمقراطي) المتغول الأميركي، رهين أباطرة رأس المال، وجماعة الإيباك اليهودية الصهيونية، وتعكس أصالة المواطن الحر، المؤمن بالعدالة والحرية والديمقراطية، ورفض كل إشكال الظلم والاحتلال والإرهاب بمختلف صنوفه ومسمياته.

وللمناضلة ديفيس مواقف متقدمة في الدفاع عن حقوق ومصالح الشعب العربي الفلسطيني تاريخيًا. ومن أقوالها المأثورة "إن فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي، هي أسوأ مثال ممكن لمجتمع السجن." ولم تترك مناسبة عالمية إلا ودافعت فيها عن حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وتقرير المصير. ولهذا كانت منبوذة من قبل كل جماعات الضغط الصهيونية، والمتشددين من أعضاء الحزبين الرئيسيين من أنصار دولة الاستعمار الإسرائيلية، الذين يبيعون ضمائرهم بأبخس الأثمان مقابل حفنة مال، ودعم إعلامي للوصول لمقعد في الكونغرس، أو مجلس الشيوخ. لهذا دفعت ثمنا كبيرا مقابل الدفاع عن فلسطين، كان آخرها الأسبوع الماضي عندما أعلنت قناة CNN الأميركية عن رضوخ معهد برمنغهام للحقوق المدنية في مدينة برمنغهام بولاية ألاباما مسقط رأس المناضلة ديفيس لضغوط القوى الصهيونية والمتصهينة من الحزبين وجماعات الضغط الأخرى وتراجع عن منحها جائزة "فريد شاتلزوورث" لحقوق الإنسان، التي تحمل إسم القس المعمداني، الذي كان زميلا لمارتن لوثر كينغ، التي كان مقررا تسلمها في 16 شباط / فبراير القادم (2019). مع انه أعلن في أيلول/ سبتمبر الماضي (2018) عن فوزها بالجائزة.

هذا القرار آثار ردود فعل غاضبة في مجلس مدينة برمنغهام يوم الثلاثاء الماضي (15 يناير 2019)، كما ان ثلاثة من أعضاء مجلس إدارة المعهد قدموا استقالاتهم، احتجاجا على هذا القرار. مع ان المعهد لم يبرر موقفه بشكل علمي، وادعى، أنها " لم تستوف جميع المعايير". غير إن ديفيس قامت بتوضيح خلفية القرار المهين للمعهد وللمدينة والولاية، وحتى للولايات المتحدة، وعبرت عن أسفها لذلك، وقالت ان السبب يعود لتضامنها مع الشعب الفلسطيني، وأضافت على صفحتها في الفيسبوك قائلة "لقد كرست جزءا كبيرا من نشاطي للتضامن الأممي، وإن عدم منحي الجائزة " لا يمثل هجوما ضدي فقط"، بل " هجوما ضد جوهر حقوق الإنسان وتجزئة العدالة".

على إثر ذلك، تم الإعلان عن تشكيل ائتلاف واسع من المنظمات والمدافعين عن الحقوق المدنية لحقوق الإنسان، وزملاء ديفيس في قطاع التعليم، وأتباع الديانات المختلفة، وسيقوم الائتلاف بتكريم المناضلة الأممية في مدينتها برمنغهام في ذات اليوم، الذي كان مقررا منحها الجائزة، أي في الـ16 من شباط / فبراير القادم في فعالية بعنوان " حوار مع أنجيلا ديفيس". وهو ما يؤكد هزيمة الحرب القذرة، التي تشنها القوى المتصهينة ضد المناضلة الأممية.

وعطفًا على ما تقدم، فإني اقترح على القيادة الفلسطينية منح المناضلة ديفيس في ذات اليوم وسامًا يليق بشجاعتها وفروسيتها، ولدفاعها عن العدالة عمومًا ونضال الشعب العربي الفلسطيني. كما وأقترح أن تقوم الجامعة العربية بذات الأمر دعمًا لها ولدورها الريادي في النضال من أجل الدفاع عن حقوق المظلومين عمومًا، وشعب فلسطين خصوصًا.