تقرير: عماد فريج

في الثاني عشر من تشرين الأول 2018، انقضّ مستوطنون متطرفون بالحجارة، على مركبة فلسطينية، كانت تقل يعقوب الرابي وزوجته عائشة وطفلتهما راما (9 سنوات) بالقرب من حاجز زعترة العسكري جنوب نابلس، ما أدى إلى استشهاد عائشة (47 عاما) بعد إصابتها بجروح خطيرة في الرأس والوجه.

في المنطقة ذاتها التي استشهدت فيها الرابي، تعرض موكب رئيس الوزراء رامي الحمد الله قبل نحو ثلاثة أسابيع للرشق بالحجارة من مستوطنين متطرفين، حيث تضررت إحدى المركبات وأصيب أحد ركابها بشظايا الزجاج.

وقبل أيام أعلنت الشرطة الإسرائيلية عن اعتقال خمسة مستوطنين متهمين برشق الحجارة على مركبة عائلة الرابي، والتي تسببت بمقتل عائشة، قبل أن تطلق المحكمة الإسرائيلية، اليوم الخميس، سراح أربعة منهم، فيما مددت المحكمة اعتقال الخامس لمدة 6 أيام، وجاء الإفراج عن الـ4 بطلب من الشرطة، التي طالبت بإطلاق سراحهم بشروط مقيدة.

وفي موقف يؤكد دعم ورعاية حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو لإرهاب المستوطنين، اجتمعت وزيرة القضاء ايليت شاكيد يوم الاثنين الماضي مع عائلات المستوطنين المتطرفين الخمسة.

شاكيد، المعروفة بمواقفها المتطرفة تجاه الفلسطينيين، لعبت دورا مهما في مصادقة الحكومة الإسرائيلية على قانون القومية العنصري، ودعت أكثر من مرة إلى "إبادة جماعية للفلسطينيين"، مبررة دعوتها بأن "الشعب الفلسطيني بأكمله عدو"، وتعزيزا لمواقفها العنصرية، التقت عام 2015 مع مستوطن متطرف متهم في الهجوم الإرهابي للمستوطنين على عائلة دوابشة في دوما، والذي أدى إلى استشهاد ثلاثة أفراد من عائلة فلسطينية.

وتخوض شاكيد انتخابات الكنيست المقبلة بعد انشقاقها عن حزب "البيت اليهودي" وتشكيل حزب "اليمين الجديد"، وتسعى من خلال مواقفها المتطرفة إلى كسب تأييد المجتمع الإسرائيلي الذي يتجه نحو اليمين المتطرف.

وقالت رئيسة حزب "ميرتس" اليساري تامار زاندبرغ، إن حزب شاكيد اليميني الجديد لديه "معايير مختلفة لليهود والعرب"، مضيفة في تعقيبها على لقاء شاكيد مع المتطرفين اليهود: "بدلا من البحث عن الذات، تقوم بحساب انتخابي والدخول في أحضان عائلات متهمة بالإرهاب".

من جهتها، قالت النائب العربي في الكنيست عايدة توما، إن "هذا ليس بالأمر الغريب على شاكيد، فهي بدأت حياتها السياسية بالدعوة إلى قتل الأجنة في أرحام النساء الفلسطينيات حتى لا يتحولوا إلى منفذي عمليات حسب ادعائها، وهي نفسها من دعت إلى قتل الفلسطينيين أثناء الحرب على غزة قبل سنوات، وبالتالي من غير المستبعد أن تتعاطف مع عائلات مستوطنين قتلوا امرأة فلسطينية".

وأضافت في حديث لـ"وفا": "نعتقد أن هذه المواقف الدموية ليست فقط دعاية انتخابية كما يحاول البعض أن يسوقها، وإنما هي متأصلة في فكر هذه الوزيرة وحزبها وكل ما تمثله من موقف سياسي".

وتابعت: "لا يوجد فصل بين مواقف الحكومة وبين الإرهابيين اليهود المستوطنين وغير المستوطنين، فهذا الإرهاب والتسيب هو نتاج سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية والسابقة، وهو نتاج الفكر الذي تحمله ويحرّض بشكل مستمر على الفلسطيني ويهدر دمه، كما ينزع عنه أصلا صفة الإنسانية".

وأوضحت توما: "ليس هناك تناقض، لأن عملية نزع الإنسانية والتحريض الذي تقوم به الحكومة الإسرائيلية على أن الفلسطيني هو إرهابي، هو نفسه الذي يتيح المجال لجرائم المستوطنين ويؤسس لها".

بدوره، عقب النائب العربي في الكنيست عيسوي فريج على لقاء شاكيد بأهالي المستوطنين المشتبه بهم قتل السيدة عائشة الرابي بعد رشق المركبة التي كانت تستقلها مع عائلتها بالحجارة، بقوله: "هذا العمل إذا قام به فلسطيني فإن شاكيد تصفه بعمل ارهابي، وتعلو أصوات هدم المنازل ووصف الحجر بأنه سلاح ويجب الرد عليه بالنار".

وأضاف: "هذا هو اليمين الفاشي الذي يقود إسرائيل اليوم، هذه هي زمرة نتنياهو، نحن المواطنون العرب علينا أن نشارك بإسقاط هكذا حكومة فاشية، وأن نعي دورنا الهام في التأثير على سياسة الدولة لمصلحة الجميع".

بينما تدعم الحكومة الإسرائيلية إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية، تخرج بقوانين لقرصنة عائدات الضرائب الفلسطينية في محاولة لابتزاز القيادة الفلسطينية ومنعها من صرف مخصصات عائلات الأسرى والشهداء، لكن الرد جاء حاسما من الرئيس محمود عباس عندما قال: "لو بقي لدينا قرش واحد سنصرفه لعائلات الأسرى والشهداء".

وفي هذا السياق، أوضح مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك: أن "إسرائيل تتعامل بازدواجية عندما يتعلق الأمر بإقدام فلسطيني على قتل مستوطن، حيث تقوم بفرض عقوبات جماعية واسعة على الفلسطينيين، وتقوم باعتقال أسرته وهدم منزله، ولا يتوقف نتنياهو ووزراؤه والمسؤولون الإسرائيليون عن التصريح والتنديد والوعيد، بأن هذا الإرهاب الفلسطيني جاء نتيجة التحريض من القيادة الفلسطينية، وأن المناهج الفلسطينية تحض على العنف ومعادة السامية، بينما عندما يقدم مستوطن على قتل فلسطيني لا يُسمع أي تنديد أو محاسبة جدية رغم فظاعة الجرائم التي يقترفها المستوطنون".

وأشار دويك إلى أن "الفلسطينيين منذ فترة طويلة يتعرضون لعنف المستوطنين، وأحيانا يتخذ هذا العنف شكلا ممنهجا تنفذه منظمات إرهابية أو مليشيات مسلحة، كما حصل في عقد الثمانينيات عندما حاول المستوطنون اغتيال عدد من رؤساء البلديات، أو على شكل عنف فردي".

وقال: "إن وتيرة العنف متزايدة بشكل بات فيه الفلسطيني لا يأمن على حياته وحياة أسرته وممتلكاته، كما حصل مع حرق عائلة دوابشة، وقتل الطفل محمد خضير، وأخيرا الأم عائشة الرابي".

وأضاف: "ان هذا يبدو وكأنه يندرج في إطار سياسة إسرائيلية منظمة أداتها إرهاب المستوطنين؛ من أجل دفع الفلسطينيين إلى ترك أراضيهم".

وأكد دويك أنه يوجد تواطؤ إسرائيلي رسمي مع المستوطنين من خلال توفير الحماية لهم وعدم محاسبتهم، داعيا إلى إطلاق حملة دولية فلسطينية للتصدي لعنف المستوطنين وشرح كيف يؤثر على حياة الفلسطينيين وقدرتهم على التحرك، بما يدفع المنظمات الدولية والمجتمع الدولي للتحرك من أجل محاسبتهم ووقف هذا الارهاب.