يوم الإثنين الموافق 24 كانون الأول الحالي (2018) قرر زعماء الائتلاف الحاكم في إسرائيل الذهاب لانتخابات مبكرة في التاسع من نيسان 2019 في أعقاب عدم التوافق على قانون تجنيد الحريديم، وبعد مغادرة حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان الائتلاف. وتمت المصادقة على ذلك يوم الأربعاء الموافق 26 من الشهر بالقراءات الثلاث في الكنيست.

تأخر كثيرًا تبكير الانتخابات. لا سيما أنَّ دولة الاستعمار الإسرائيلية مرَّت وتمر بسلسلة من الأزمات المتعددة، ومختلفة الأوجه، لعل أبرزها ملفات الفساد، التي تطارد رئيس الوزراء، لكن إلى أن وصلت القوى المشاركة في الائتلاف أخيرًا إلى النتيجة المذكورة، وبعد إفلاس بيبي في تأجليها حتَّى نهاية الدورة الحالية للكنيست في تشرين الثاني 2019 تمَّ الرضوخ للواقع. رغم أن بعض المراقبين افترضوا أن ذهاب زعيم الائتلاف للانتخابات، كان أحد المخارج من أزمة ملفات الفساد، ولقطع الطريق على تقديم لائحة إتهام ضده، خاصة أن المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، قد لا يتجرأ على تقديم اللوائح ضد زعيم الليكود الفاسد بذريعة أنها ستؤثر على مزاج الشارع الإسرائيلي. ومع ذلك شخصيًا لا أعتقد إن هذا هو السبب في تبكير الانتخابات، وهو سبب شكلي وثانوي بالنسبة لنتنياهو، وكان يعتقد أنه يستطيع تجاوز ذلك، أضف إلى أنه راهن على حلفائه في الائتلاف الحاكم، كما أنه زاود على أقطاب اليمين المتطرف من خلال صعوده على شجرة الاستيطان الاستعماري، وشروعه بالمنافسة المبكرة مع أقرانه من قوى اليمين واليمين المتطرف في التساوق والتماهي مع قادة المستوطنين في القدس وعموم الضفة الفلسطينية. فضلاً عن إفتعال معارك وهمية في الشمال والجنوب والوسط، والترويج لإنجازات غير ذات شأن على المستوى الأمني، ورفع شعارات ديماغوجية وشعبوية ترضي المزاج اليميني عمومًا، وتتلاءم مع خياراته الاستعمارية. هذا بالإضافة لعمليات القتل المجانية وبدم بارد لأبناء الشَّعب الفلسطيني، وهدم البيوت، ومصادر الأراضي، وإعلان العطاءات المتواصلة لبناء آلاف الوحدات الاستعمارية في أراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967، والاعتقالات .. إلخ

المؤكد إن بازار المنافسة على إستباحة الدم الفلسطيني بدأ باكرًا من قبل نتنياهو شخصيًا للحؤول دون تمكين أركان الائتلاف، أو المعارضة من تخطي أزماتهم، والتفوق عليه. فكان السباق في خيار ملاحقة مصالح وحقوق الشَّعب الفلسطيني في كل فلسطين التاريخية (داخل الـ48 وفي حدود الرابع من حزيران عام 1967). وبالتالي رهان رئيس الحكومة الفاسد سيبقى على حصان اليمين واليمين المتطرف في أوساط الشارع الإسرائيلي. حيث أظهرت إستطلاعات الرأي خلال الأيام القليلة الماضية، إن نتنياهو شخصيًا وحزبه الليكود سيحظى بنصيب الأسد من مقاعد الكنيست الـ21 القادم، وأعطته ما بين 29 و31 مقعدًا فيما لو جرت الانتخابات اليوم.

مع ذلك لا يجوز الركون لحصان رئيس الوزراء الإسرائيلي في الفوز بالانتخابات القادمة، رغم كل المؤشرات الإيجابية، التي تدعم تبوؤه مركز الصدارة فيها. لأن فسيفساء اللوحة الحزبية الإسرائيلية، والتطورات اللاحقة على الأرض نتاج الأزمات المتفاقمة إن كان على مستوى المواجهات مع جبهتي الشمال والجنوب والوسط (الصفة الفلسطينية بما فيها القدس)، أو على مستوى الصراعات الداخلية المتنامية في أوساط الليكود، وخاصة في أوساط الجيل الجديد من الليكوديين الشباب، أو حتَّى من إمكانية إبرام تحالفات محتملة بين خصومه المختلفين من اليمين واليمين المتطرف وممن يدعون أنهم على النقيض من ذلك، قد تحمل في طياتها معادلات جديدة، بحيث تكون خارج الحسبان النتنياهوي، بالإضافة إلى إمكانية الضغط على المستشار مندلبليت لتقديم لوائح الإتهام ضد شخص رئيس الحكومة المتورط في قضايا الفساد ذات الأرقام 1000 و2000 و3000 و4000 ما يفاقم من مكانته في أوساط الشارع الإسرائيلي. مع إن الإسرائيليين مازالوا لا يرون بين زعمائهم بديلاً عن نتنياهو، ويعتبرونه الأقوى بينهم.

من الآن حتَّى التاسع من إبريل 2019 ستجري مياه كثيرة في نهر الانتخابات الإسرائيلية، وسيناريوهاتها قابلة للتغييرات الدراماتيكية لأكثر من سبب وعامل داخلي وخارجي. والموضوع لم ينتهِ، ويحتاج لمتابعة وقراءة متواصلة حتَّى ما بعد الانتخابات.