القرار الذي اتخذته المحكمة الدستورية العليا من خلال اجتماعها في مدينة رام الله في يوم الثاني عشر للعام 2018، والقاضي بحل المجلس التشريعي، والدعوة إلى انتخابات جديدة بعد ستة شهور، واستجاب له رئيس البلاد، ووافق عليه، ونشره في الجريدة الرسمية "الوقائع" أثار لدى الشَّعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس، وداخل الخط الأخضر، وفي الخارج البعيد والقريب، ما يمكن وصفه بموجة تأييد عارمة، وخلق حالة غير مسبوقة من الأمل ضد حالة التكلس التي أصابت حياته السياسية والدستورية التي أصابت الشَّعب الفلسطيني منذ وقوع الانقسام الأسود الذي حدث في الرابع عشر من حزيران عام 2007، بصناعة إسرائيلية مئة بالمئة، وقعت في حفرتها المأساوية حركة حماس، التي انفصلت بشكل كامل عن كل الأولويات الفلسطينية، وغرقت بالكامل في دهاليز هذا الانقسام الأسود، وإغراءاته الشاذة، وأوهامه الفاشلة، فجاء قرار المحكمة الدستورية العليا مثل فجة ضوء هائلة وسط الظلام، وصعود خارق في نضالنا الوطني.

والحقيقة أنّه منذ وقع الانقسام، كان هناك عشرات الآلاف من شعبنا يدعون لردم هوة الانقسام، عبر الغاء المجلس التشريعي الذي بادر أعضاؤه من حماس بتأييد الانقسام، وتحولوا إلى جوقة ضجيج لصالح الانقسام، وأسقطوا المجلس في الجمود والعدم والمهاترات العدمية، ما يؤكد وقوفهم ضد شعبهم بالمجان، ولكن محاولات المصالحة التي امتدت إلى زمن المجلس الغارق في العدم وكثرة التكاليف والنفقات بلا جدوى، جعلت عمر هذا المجلس يمتد كل هذه السنوات، مع إن الجميع يعلمون أنه مات منذ زمن ولا يرد ذكره إلا في مساجلات الجنون.

ولعلّ منبع التأييد الكاسح لقرار الدستورية العليا بحل المجلس، جاء أولاً من هذه الفكرة نفسها، أعضاء حماس هم الذين قتلوا المجلس بانقلابهم عليه، وعلى كل المبادئ الوطنية حين ارتكبوا خطيئة الانقسام، وكان قرار المحكمة الدستورية العليا منصفًا للشَّعب وآلامه، وصاعدًا بمستوى علو هامة النضال الفلسطيني الذي خرجت عنه حماس بكل الصيغ، واستمرت تأكل ولا تشكر، وتفعل كل الفضائح والخطايا لكي تذكر، وتبيع ضرورات شعبها بالجملة والقطاعي وتسمي الكفر إيمانًا، وترقص في أعراس الآخرين بما لا ينفع.

عندما أنشئ المجلس التشريعي، راودتنا الآمال بأن يساهم بشكل قوي في مجال التشريع واصدار القوانين وتعلية شأن المصالح الوطنية العليا، وأن يكون مؤسسة رائدة للرقابة الوطنية، ولكن وقوع الانقلاب الأسود أنتج كل ما يطلبه العدو المحتل، ومنع كل ما يخدم مصالح الشَّعب الفلسطيني، وأنتج لنا هذا النوع المقيت من جوقات الضجيج التي لا تنتج سوى الحقد والكراهية والصغائر وعمى البصائر، فشكرًا للمحكمة الدستورية العليا، التي صبرت إلى أن انتهى الصبر، فلما نطقت نطقت بالحق، والحق يعلو ولا يعلى عليه، والمشوار الفلسطيني يحتاج إلى ذوي الهامات العالية والقلوب الجسورة والحكمة الواثقة، وكلَّما حاول الأعداء بكل أنواعهم إغلاق طريق فلسطين بالضجييج المزور يثبت شعبنا أن من بينه كثيرًا من الرجال الذين هم رجال الله إذا أرادوا أراد، فالتحية والمجد لقضاة المحكمة الدستورية العليا، المدافع القوي والحارس الأمين للدستور الفلسطيني، وإلى مزيد من الوقفات البطولية الرائدة.