بعد مرور إثني عشر عامًا على تكريس الانقسام بفعل الانقلاب، لم يعد مقبولاً لا شرعاً، ولا أخلاقياً، ولا سياسياً، ولا أمنياً، أن نواصل الإصرار على التمسُّك بالانقسام، لأنه سيفٌ صُنع لقطع رقابنا، وقبضتُه ليست قبضتنا، فلنلقِ به بوجه من أراده حصانَ طروادة في داخل ساحتنا، لأنَّ صُنَّاعَهُ يدركون أنَّ القلاعَ لا تسقط إلَّا من داخلها.

فهل نصحو من سباتنا، ونُحكِّمُ ضمائرنا، ونستعيدُ وعينا من بين أنياب جهلِنا وأحقادِنا، ونتوجَّهُ إلى أولى القبلتين معاهدين الأقصى، وقبّةَ الصخرة، وخليلَ الرحمن، وكنيسةَ القيامة بأن نكون أوفياءَ لسيد الأنبياء، ورحلةِ الإسراء والمعراج. وأنْ نقتلعَ من صدورنا أشواكَ الأحقاد، وأن نُطَهِّرَ قلوبنا من آثامِ الجهل، والبغضاء، والدهاء.

آن الأوان أن نفتح الصفحة الأولى من كتاب الوطن، لنقرأ الحقائق بعقولٍ أنارها الإيمانُ، وقلوبٍ سكنتْها الطمأنينة، وضمائر مازالت على قيد الحياة بعد أن أنهكتها عذاباتُ الفُرقةِ، وآلامُ انتظار عودةِ الصحوةِ من بحر الكراهية والجفاء.

الصفحةُ الأولى من كتاب الوطن الفلسطيني تذكِّرنا بأنّنا من أهل الرباط، وأننا في رباط إلى يوم الدين، فهل نحن كذلك وقلوبنا تمتلئُ بالبغضاء؟!

وفي الصفحة الثانية من كتاب الوطن نقرأ بأننا حماةُ الأقصى، فكيف يكون ذلك، والمستوطنون يدنِّسون المقدسات، ويهوِّدونها أمام أعيننا، ونحن نتنازعُ على السلطة والحُكم، وكلُّنا تحت الاحتلال، فأين نحن من فلسطين؟!

وفي الصفحة الثالثة يتفجّرُ الدمعُ من أَعيننا أسىً وحزناً، ونحن نقرأ أسماء شهدائنا من شبابنا، وأطفالنا، ونسائنا في شوارع الضفة، وأطراف قطاع غزة، والدماءُ تنزفُ، ونحن منهمكون في صياغة عبارات التخوين، والتعهير، والتكفير.

وفي الصفحة الرابعة تتجسَّد أمامنا لوحةٌ صارخةٌ حيث يقبِّلُ الرمز ياسر عرفات جبينَ الشيخ أحمد ياسين فنميلُ بوجوهنا خجلاً، وندماً، لكنّنا نستقوي على ضمائرنا، فنخلعُ اللَّوحةَ من ذاكرتنا، حتى لا نَضْعُفَ أمام جبروتها، ومن أجل مواصلة مسيرتنا نحو المجهول.

وفي الصفحة الخامسة: نقرأ أن أرضَنا أرضُ السلام، وأنَّ شعبنا شعبُ التضحيات والشهداء، ولكننا لا نستطيع استكمال قراءة هذه الصفحة، لأنَّ المعيبَ والاكثر قهراً وألماً أن نخاف من بعضنا أكثرَ من خوفنا من عدوِّنا، وعندما نصبح كذلك فما الذي تبقَّى لنا من مكوِّنات كياننا؟!

وفي الصفحة السادسة نقرأ: ثورتُكم هي أعظم ثورة في التاريخ، وأنها الأكثر تعقيداً، وأنها اليوم تحتفل بالذكرى الرابعة والخمسين لانطلاقتها. فأين هو مقام كل هذه العظمة النضالية، وعلى ماذا تختلفون اليوم، وأنتم كلكم تحت الاحتلال، وكلكم محاصرون، وشبابكم أسرى في المعتقلات، وأهلكم جائعون في الداخل والشتات، فلماذا لا نلبّي أمنية شعبنا، بأن نتوحَّد صفاً واحداً، وقلباً واحداً، وأن نأخذ عهداً على أنفسنا، وأمام ربنا بأن نكون خُدَّاماً لشعبنا، ولأهالي شهدائنا، وأسرانا، وليمتْ نتنياهو وعصابتُه بغيظهم، فليس لهم مكانٌ في أرضنا.

في الصفحة السابعة نقرأ بالخطِّ العريض، أنَّ لكم بيتاً دافئاً بناهُ آباؤكم قبل الانطلاقة في العام 1964، وسميتموه منظمة التحرير الفلسطينية، وأنه البيتُ الوطني للشعب الفلسطيني أينما كان، والعالمُ الحرُّ كلُّه اعترف به كياناً سياسياً لكم، فلماذا هجرتموه، ورحتم تبحثون في الفراغ عن بيتٍ آخر، فلماذا الفرقةُ والتمزُّق؟! إنَّ هذا البيت الوطني بناهُ الشهداءُ بدمائهم وتضحياتهم من أجل أن يكون حصناً منيعاً لكم منه تنطلقون، وإليه تأوون، وفيه تتوحّدون، وتكبرون، في أحضان هذه الأم الفلسطينية، وهي صاحبةُ القلب العطوف الذي يتّسع للجميع.

أمَّا الصفحة الثامنة، ففيها الإنذارُ والتحذير، وترتسمُ أمامنا جمجمةُ الفناء، ومن بعيد، من خلف الجبال تطلُّ إشراقةُ فجرٍ، ومئذنةٌ تصدحُ منها أصواتُ الدعاء، تناشدُ مَنْ فوق السماء، أن يرفع عنَّا البلاء، وأن يؤلِّفَ بين القلوب، وأن يزيلَ الأحقادَ، وأن ينتزع من صدورنا مرارةَ البغضاء، وأن يزرعَ فينا، في أعماقنا بذورَ المحبةِ، وأغصانَ الأُخوَّة، وأن يغمرها بماءٍ من الطُّهرِ والطهارة.

وفي الصفحة التاسعة يُطلُّ مخلوقٌ برأسين يصرخُ بوجه الجميع محذِّراً ومنذّراً: تذكَّروا جميعاً، ومن كل الأطياف، بأنكم ذاهبون إلى بحرٍ من الدموع والدماء إذا لم تستنهضوا ضمائركم، وتحزموا أمركم، وتقولوا كلمةَ شعبِكم المكلوم، وتذكَّروا جيداً أنه في تاريخ كل الثورات التي انتصرت، كان لها رأسٌ واحد، وليس رأسان، واذا أصرَّينا على البقاء كما نحن، فنحن ذاهبون إلى المجهول، وعلى الجميع أن يتذَّكر بأنّ الثورة عندما انطلقت قبل أربعة وخمسين عاماً نجحت، وحققت الإنجازات والانتصارات، وأعادت رسم الخارطة الفلسطينية، وتجسيد الهُويّة الوطنية، لأنها كانت برأسٍ واحدة، وليس برأسين، رغم وجود العديد من الفصائل القومية، والوطنية، واليسارية، والشيوعية، والبعثية، وأصرَّ الجميع أن تكون الثورة بقيادةٍ واحدة، ومؤسسات مشتركة، وتطلّعاتٍ وطنية منسجمة.

أمامكم خيارٌ واحد فلا تترددوا، إنَّه خيار الوحدة الوطينة، خيار فلسطين، تذكَّروا أن كلَّ أعدِائكم قد حسموا أمرهم، وعقدوا العزمَ على تصفيتكم، وتصفية قضيتكم، وتهويد أرضكم، فهل تجرؤون على تحصين قضيتكم بوحدتكم؟؟!!

الحاج رفعت شناعة

عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"

٢٤-١٢-٢٠١٨