اعترفت استراليا أخيرًا (السبت الموافق 13 من ديسمبر 2018) بالقدس الغربية، عاصمة لدولة الاستعمار الإسرائيلية، وجاء في إعلان رئيس الوزراء الاسترالي، سكوت موريسون، أنه لن ينقل سفارة بلاده إلَّا بعد التوصل إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس حل الدولتين. لكنَّه سيفتح مكتبين تجاري وعسكري في القدس، وهي لا تحمل الصفة الدبلوماسية، ولكن لها دلالالتها السياسية، التي لا تخفى على المعنيين بالقانون الدولي. وأنه يحترم تطلعات الفلسطينيين في إقامة دولتهم، وعاصمتهم في القدس الشرقية. وهو موقف لا يخدم بحال من الأحوال عملية السلام المنشودة، لأنه موقف يصب في خدمة دولة إسرائيل المارقة، التي تعتبر القدس كلها عاصمة لها، وتعمل بجهود حثيثة على تكريس مفهومها الاستعماري على كل الأرض الفلسطينية بعد الاعتراف الأميركي في السادس من ديسمبر 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل، وانزلاق بعض الدول في دوامة السياسة الإسرائيلية والأميركية.

أين تكمن مشكلة الموقف الأسترالي؟ وهل التراجع الحاصل في الموقف يستجيب ومتطلبات عملية السَّلام، أم لا؟ وهل الموقف الأسترالي يستقيم ومحددات التطلعات الفلسطينية والقانون الدولي على حد سواء، أم يتعارض معهما؟ ولماذا التسرع في اتخاذ موقف يخدم توجهات العدو الإسرائيلي؟ وألم يكن من الأفضل لدى الحكومة الأسترالية استخدام ورقة الاعتراف في الضغط على الحكومة الإسرائيلية للالتزام بخيار التسوية السياسية المنشودة؟

مما لا شكَّ فيه، أنَّ الموقف الأسترالي جاء مستجيبًا لمواقف الرئيس الأسترالي أثناء الحملة الانتخابية، وما لازمه من تراجع نسبي، لم يكن كرم أخلاق من القيادة الأسترالية الحالية، بقدر ما جاء آخذًا بعين الاعتبار مواقف القوى السياسية والنقابات والكتل البرلمانية الأسترالية، وأيضًا نتيجة الضغط الإيجابي لكل من اندونيسيا وماليزيا المعارضة للقرار الأسترالي. ومع ذلك لم يكن للإعلان أية ضرورة الآن، لأنَّه لم يخدم، كما ادعى موريسون عملية السَّلام، إنَّما زاد من وضع العصي في دواليب عربتها، وكان الانحياز فيه واضحًا لصالح دولة الاستعمار الإسرائيلية، لأنَّه أعطاها ما تريد. رغم أنَّها وعبر رئيس وزرائها والعديد من قياداتها عبرت عن استغرابها لعدم اعتراف أستراليا الكامل بالقدس عاصمة لإسرائيل وترك موضوع نقل السفارة لحين التوصل إلى سلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. والنتيجة الناجمة عن قرار رئيس الوزراء الليبرالي، هي السقوط في الحسابات الحزبية الضيقة، وأيضا الركض خلف سياسة إدارة ترامب، التي ضربت عرض الحائط بكل مكونات ومرتكزات عملية السلام.

أضف إلى ان حديث سكوت جون موريسون عن التطلعات الفلسطينية، شابه النكوص والتراجع عن مرتكزات عملية السلام ومحدداتها، لأنَّه لم يؤكد على أن القدس الشرقية المحتلة في الخامس من حزيران 1967، هي عاصمة دولة فلسطين، بل حاول التعمية على المتابع، من خلال إعلانه، عن العاصمة الفلسطينية في القدس الشرقية، وهذا مخالف للتطلعات الفلسطينية والقانون الدولي ومرجعيات عملية السلام. لان القانون الدولي لم يقل يوما أن القدس الغربية عاصمة لإسرائيل، حتى القرار الدولي 181 (أي قرار التقسيم نوفمبر 1947) لم يشر بأن القدس عاصمة لإسرائيل، إنَّما أكد على أنَّ القدس وبيت لحم تخضع للإشراف الدولي، ولا تخضع لعملية التقسيم. والأهم إنَّ الموقف الاسترالي عكس تغييبا للمسؤولية السياسية والدبلوماسية بتسرعه بالاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل، لان ذلك يفقدها، كما يفقد أي دولة قدرتها على المناورة والضغط على حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة للعودة لجادة السَّلام، ونزع من يدها ورقة هامة، كان يمكن أن تستخدمها إلى جانب دول العالم ومنظومته الأممية في الضغط عليها، خاصة وإنَّها لم تعد معنية بخيار السلام بعد أن سنت قانون "القومية الأساس" في تموز 2018، الذي أعلنت فيه صراحة عن "حق تقرير المصير لليهود الصهاينة فقط في فلسطين التاريخية العربية، وبالتالي رفضت من حيث المبدأ وجود دولة فلسطينية بين النهر والبحر، وليس على حدود الرابع من حزيران عام 1967.

الموقف الأسترالي متناقض مع مرجعيات عملية السَّلام، ولا يخدم بحال من الأحوال عملية التسوية السياسية، وهو موقف مرفوض، وعلى القيادة الحاكمة إعادة نظر بموقفها. وفي ذات الوقت على الأشقاء العرب ودول العالم الإسلامي استخدام ما لديهم من أوراق الضغط لإلزام موريسون وحكومته لسحب الاعتراف بإسرائيل فورًا، لأنَّ ذلك يخدم مصالحها ومصالح الفلسطينيين والإسرائيليين إن كانت معنية فعلاً بخيار التسوية السياسية واستقلال دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.