على عادة كلِّ نقيض مع نقيضه، يمكن قراءة التهديد الذي أطلقه غلاة المستوطنين، مدعومين بغطاء من حكومة اليمين المتطرّف، في دولة الاحتلال الإسرائيلي، ضدَّ الأخ القائد العام لحركة "فتح"، رئيس دولة فلسطين محمود عبّاس، من دون التهاون مع كائن من كائن، يُقلِّل من خطورة هكذا تهديدات مافياوية، تُليق بعنصرية (إسرائيل)، وعقلية الحكم فيها، منذ أن جرى تأسيسها، بالظلم والعدوان والإزاحة والإحلال.

فدولة الاحتلال الإسرائيلي، التي تحكمها الآن أكثر الحكومات تطرّفًا وتخبّطًا، منذ سبعين عامًا، تلجأ إلى القوة، أو تلوح بها، كلما حلَّت بها أزمة، فيكون التصعيد والتهديد والوعيد عادة، هو المتنفَّس لها، والعنوان لكل مخرج موهوم من أزماتها المتلاحقة، بما يعزّز احتلالها، الذي يعيدها إلى واجهتها، التي عرفها بها العالم، كدولة احتلال لا أكثر، ارتبط اسمها بالجرائم ضد الإنسانية، وانتهاكات القانون الدولي، وممارسة أبشع ما يمكن أن تقوم به العصابات، حتى وإن جرى تصنيفها تحت لافتة الدول.

إنَّ الحكومات الإسرائيلية، التي تناوبت على دفّة الحكم في تل أبيب، منذ نكبة الشعب العربي الفلسطيني، كانت خاضعة على الدوام، وإن بنسب متفاوتة، لسيطرة الأيديولوجيا الدينية الإلغائية التي يروِّج لها غلاة المتطرفين، غاياتها عادةً تبرّر الوسيلة، وأسلوبها تحكمه موازينها الداخلية، أكثر من القوانين التي تُسيّر المنظومة الدولية. غير أنَّ حكومةً يقودها متطرّف مثل بنيامين نتنياهو، المسكون بهاجس السقوط والانزواء، بحكم تضخم ملف فضائحه المتراكمة، تعد الأكثر تلازمًا وانسجامًا، مع أجندة المستوطنين، الذين استحقوا صفة الإرهاب، بجدارة وصلافة واضحتين للعيان.

لقد تناوب جيش الاحتلال الإسرائيلي، مع المستوطنين المتطرفين، الأدوار على الدوام، إلا أنَّها لم تصل حد التكامل، مثل ما تبرهنه شواهد اللحظة الراهنة، من خلال تكثيف الاعتقالات والتصفيات والإعدامات الميدانية، بالإضافة إلى الاقتحامات للأماكن المقدسة، وتحديدًا المسجد الأقصى المبارك، الذي جرى اقتحامه مطلع الأسبوع الماضي، بزعامة وزير الزراعة في حكومة اليمين المتطرف، أوري أرئيل، مع مجموعة من المستوطنين الإرهابيين، بحماية الجيش الإسرائيلي.

كما قامت وحدات الجيش الإسرائيلي، باقتحام المدن الفلسطينية، والاعتداء على الأماكن السيادية في مدينتي رام الله والبيرة، ومنها وزارة المالية، ووكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية الرسمية (وفا)، واللجنة الأولمبية الفلسطينية. واقتربت القوات الإسرائيلية المدجَّجة بالسلاح، من بيت الرئيس محمود عبّاس، في محاولة استفزازية، تُذكّرنا بما قامت به نفس القوات، قبل 17 عامًا، مع مقرِّ الرئيس الشهيد ياسر عرفات، قبل اغتياله عام 2004.

لم يكن التهديد الذي رفعه المستوطنون على ملصقات ولافتات، تستهدف الأخ الرئيس محمود عبّاس، خلال الأيام الماضية، أكثر وضوحًا ممَّا بدا عليه الآن، لولا النبرة التصعيدية التي تبنَّتها الحكومة الإسرائيلية المتطرّفة، ضد القيادة الفلسطينية، بشكل عام والأخ أبو مازن بشكل خاص. وهو ما رافقته سلسلة من الاعتداءات البربرية، التي قام ويقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي، وقطعان المستوطنين في مدينة القدس المحتلة، ومدن الضفة الغربية، علاوةً على عن العدوان المستمر على أهلنا في قطاع غزة.

لقد تخطَّت (إسرائيل) الخطوط الحمراء، بسماحها للمستوطنين المتطرفين، بنشر إعلانات تُهدِّد صراحةً الرئيس محمود عبّاس بالاغتيال والتصفية خلال الأيام الماضية، وهو ما يفتح المجال، لغلاة المتطرفين الإسرائيليين، بتنفيذ تهديداتهم بالتعرّض لحياة الرئيس عبّاس، لا سمح الله، ممَّا سيضع المنطقة أمام خيار واحد، عنوانه الفوضى العارمة.

الصورة واضحة تمامًا، وبشرف ودون أنصاف مواقف، ننحاز ضد مخطَّطات الحكومة الإسرائيلية التي تتحمَّل المسؤولية الكاملة، عن أي اعتداء قد يحصل على حياة الرئيس محمود عبّاس، ونأخذ هذا التهديد على مَحمَل الجِد، لا سيما أنَّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ضالع في صنع بيئة عدائية، أدّت إلى اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، عام 1995. كما أنّه كان محرّضًا فعليًّا على التخلّص من الرئيس الشهيد ياسر عرفات، عام 2004، وكل هذا يشير إلى أنَّ نتنياهو لا يؤمن بالسلام، ويخضع لسطوة المتطرّفين الإرهابيين في (إسرائيل).

بقلم: بلال يونس