يملك المجلس المركزي لمنظّمة التحرير الفلسطينية، باعتباره المرجع وصاحب الولاية، حقَّ استرجاع قراره بتشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية الصادر عن دورته المنعقدة في العاشر من كانون الأول ديسمبر عام 1993 في تونس، حيث جاء في نص القرار: "تكلّف اللجنة التنفيذية التابعة لمنظمة التحرير بتشكيل مجلس السلطة الوطنية الفلسطينية في المرحلة الانتقالية من عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية وعدد من الداخل والخارج ويكون ياسر عرفات (رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية) رئيسًا لمجلس السلطة الوطنية الفلسطينية".

وبما أنَّ المركزي يُمثِّل كل قوى حركة التحرر الوطنية المنضوية في منظمة التحرير ومستقلين واتحادات شعبية وشخصيات ورموز وطنية مشهود لها بالتجرّد من العصبية الجهوية الجغرافية، وتتّخذ العمل الوطني كفكرة حياة ونضال فإنَّ للمركزي الحق في أخذ قرار بتولي مهمة المجلس التشريعي مؤقّتًا إلى حين إجراء انتخابات تشريعية في كل أنحاء الوطن، وذلك بحكم الصلاحيات الممنوحة للمركزي حسب قرار المجلس الوطني في دورته الثالثة والعشرين التي انعقدت في رام الله في الثلاثين من نيسان الماضي من هذا العام.

إنَّ مَن ينتظر استنبات وعي وطني لدى قيادة "حماس"، كمَن ينتظر استنبات سنبلة قمح على حافة فوهة بركان، حيث لا حركة ولا حياة هناك إلا النار والحمم ! فمشروعنا الوطني وإنجاز استقلالنا بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة بات على حافة الهاوية، ونعتقد جازمين أنَّ قيادة "حماس" الانقلابية الانفصالية ستكون السبب – وعن قصد - في كلِّ قادم مُدمِّر لكينونة الدولة الفلسطينية، فهؤلاء ملتزمون بتعاميم جماعة الإخوان المسلمين الذين يرفضون الدولة والهُوية الوطنية، ويعتبرونها ضدًّا لعقيدتهم ومنهجهم السياسي، ويكفرون مَن يعمل عليها !!!

مشايخ وأمراء "حماس" في قطاع غزّة يستغلون تقديسنا لروح ودم الفلسطيني، ويستثمرون الوقت في زمان صبرنا اللامحدود، ويلتفون على حكمة وأخلاق قيادتنا الناظم لعملها وقراراتها، فيتمادون في الالتقاء مع جبهة مخططات الاحتلال الإسرائيلي، ويبحثون عمَّن يمكّنهم من التسلُّل ليلاً كقطة إلى مكاتب إدارة ترامب الأميركية علَّها تجد في سلالها ما يشبع رغبتها!!

لم يعد ممكنًا الذهاب مع قيادة "حماس" إلى بوّابات جديدة، ففي كلِّ مرة وضعنا مصالح شعبنا فوق كل اعتبار ومضينا بإخلاص وصدق مستمَد من عقيدتنا الوطنية السياسية، وأردنا تجسيد معنى الوفاء للشهداء والأسرى والصابرين الصامدين في أرض الوطن، وكانت في عيوننا خطط إنقاذ مليوني مواطن من شعبنا في قطاع غزة من المآسي والمعاناة، ومصالحة تُمكّننا من السير بأمان نحو أهدافنا وتحقيق ثوابتنا الوطنية، كنا نكتشف أنَّ قيادة فرع الإخوان المسلمين في فلسطين (قيادة "حماس") تستغل نوايانا الوطنية وأخلاقياتنا كمناضلين في إطار حركة تحرُّر لإدخالنا في متاهات صمَّمتها خصيصًا لإطالة عمر انقلابها، حتى بتنا على قناعة أنَّهم ينسّقون مع أعداء وخصوم الشعب الفلسطيني على كيفية إخراج (إعلان الانفصال).

اغتالت "حماس" المجلس التشريعي في اللحظة التي أطلقت أول قذائفها ورصاصها على القانون الأساسي والنظام والسلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية والمشروع الوطني وعلى السِّلم الأهلي وعلى الحقوق الأساسية للمواطن الفلسطيني قبل 11 عامًا، عندما قرَّرت تكريس أساليب الإخوان في الانقلاب على العقيدة وعلى النظم والقوانين وعلى مناهج الحياة المعاصرة ورأسها منهج الديمقراطية.

لدينا اليوم مرجعية شرعية قانونية للشعب الفلسطيني معترَف بها عربيًّا وعالميًّا، لدينا المجلس الوطني وكذلك المجلس المركزي الذي يمتلك صلاحيات الوطني، ونعتقد أنَّ الظروف والوقائع والحالات القصوى والضرورية التي يجب أن يمارس خلالها المركزي صلاحياته الممنوحة له من الوطني كما نصَّ قرار الوطني قائمة الآن، والطريق آمن أمام القيادة للمضي قدمًا، وتجاوز كل العقبات التي وضعتها "حماس" والتي تسعى إلى مضاعفتها بالتعاون مع الاحتلال وإدارة ترامب بتمويل من قوى ودول في الإقليم.. فالمسؤولية في هذه اللحظات تاريخية ولا مجال ولا وقت للتردُّد أبدًا.