ماذا لو شكَّلنا مركز ضغط فلسطينيًّا موحّدًا في أوروبا والأميركتين الشمالية والجنوبية وافريقيا وأستراليا يكون بمثابة نواة للوبي عربي، ومحورًا لحركة الجاليات العربية على رأسها الفلسطينية باتجاه خدمة القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للأمة العربية، والضغط لتأمين المصالح السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية وحتى الثقافية للشعب الفلسطيني وللشعوب العربية، أينما وجدت قضية تستحق تركيز جهود الضغط للانتصار لها.

قد لا نملك أدوات ضغط كالتي تملكها اللوبيات اليهودية والصهيونية في الدول المؤثّرة في صراعنا مع الاحتلال، خاصّةً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار امتلاكها لأهم ثقلين وهما المال والإعلام والنفوذ الخارق في أجهزة أمن دول كبرى وصغرى حتى، لكنَّنا نستطيع إذا وحّدنا قدرات وإمكانيات الجاليات الفلسطينية أولاً والعربية حولها، ووظّفناها لحث أعضاء برلمانات واتحادات شخصيات اعتبارية وصناع قرار للتأثير على حكومات بلادهم لاتخاذ القرارات الصائبة والصحيحة باتجاه تحقيق العدل والانتصار للحق الفلسطيني، ودفعها لتطبيق قرارات الشرعية الدولية، والضغط على دولة الاحتلال وإجبارها على الانصياع للقانون الدولي.

تملك الجاليات الفلسطينية والعربية من الإمكانيات المادية والمعرفية والقدرات البشرية ما يمكنها من تحقيق هذا الأمر على المديين القصير والبعيد عبر توظيف رؤوس الأموال والاستثمارات والخبرات، والاستفادة من حرية وسائل الإعلام والتعبير عبر النشاطات الثقافية قبل السياسية، فنحن نحتاج إلى عقول المؤثّرين في صنع القرار بالتوازي مع حاجتنا إلى ثقلهم الضاغط، واقتناعهم بالمصالح المشتركة.

نستطيع الحركة في كل بلد يضمن قانونها الحرية للمواطنين الأصليين وكذلك حاملي الجنسيات بعض النظر عن جنسياتهم الأصلية أو عقائدهم، وبإمكاننا تعزيز ثقافة الانتماء للأحزاب الكبرى المنافسة في الانتخابات للوصول مراتب قيادية، واستثمار الأصوات الانتخابية في دعم سياسات خارجية مؤيّدة ومساندة ومؤيّدة للشعب الفلسطيني وقضيته الفلسطينية، فالصوت الانتخابي في العملية الديمقراطية لا يقل تأثيره عن المال والإبداعات الثقافية، وتأثير الخبر والصورة والتقرير والمقال التحليل في الإعلام.

نحتاج إلى أدمغة عارفة ومجربة للعقل الأوروبي والأميركي، وتعي جيّدًا كيفية محاكاة عقائد وثقافات ومفاهيم المجتمعات التي نفكر بإنشاء لوبيات فلسطينية أو عربية فيها، وهذا ليس صعبًا ونعتقد بإمكانية تأطير وتنظيم هذه الأدمغة المؤمنة بانتمائها الإنسانية أولاً، وبقضايا التحرر الوطنية، وبحقوق الشعوب في الحرية والاستقلال والسيادة.. ونُشدّد على موضوع الانتماء للإنسانية كعامل مهم لتأصيل وتجذير فكرة الانتصار والتأييد للحق، ووقايتها من متغيرات سياسة.. فأي لوبي يعمل على الدفع باتجاه سياسات قرارات حكومية وتحقيق مصالح آنية ودائمة قدر الإمكان، وهذا منطق معقول بالنسبة لنا، لكن حاجتنا إلى لوبي فلسطيني وعربي عالمي يعمل على جعل المصالح جزء وليس كل منظومة العلاقة الإنسانية والمبادئ القائمة على احترام الحقوق، وتطبيق منهج العدل، وهذا سيجعل من اللوبي الفلسطيني، لوبي أخلاقي جديد مختلف كليا عن صورة مراكز الضغط (اللوبيات) اليهودية والصهيونية التي عملت على تحقيق مصالح (إسرائيل) الاحتلالية الاستعمارية العنصرية على حساب مصالح شعوب الدول ومبادئها وقيمها وأخلاقياتها وثقافتها خاصة إذا اقنعنا مجتمعات العالم بحجم الأخطار والكوارث والحروب التي تسبَّبت بها اللوبيات اليهودية المتطرّفة والصهيونية، وكذلك تضرّر مصالح بلادهم في العالم.. فهذا التمايز مطلوب بالدرجة الأولى لأنَّ القضية الفلسطينية ليست كأيّ قضية في العالم، وإنَّما لأنَّ حلها يحقّق الاستقرار والسلام في أهم منطقة حضارية في العالم.