يتأكَّد اليوم وبصورة بالغة الوضوح أنَّ الحرب الحقيقية التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي، ضد فلسطين الشعب والقضية والمشروع الوطني، إنَّما هي هذه الحرب التي يتصاعد أوارها اليوم في القدس العاصمة المحتلة، ولطالما كان حصار (إسرائيل) لقطاع غزّة بعملياته الحربية، هو حصار العمليات اللوجستية لحرب (إسرائيل) في الضفة الفلسطينية، حيث المشروع الوطني التحرُّري، بهدفه الاستراتيجي لتدميره والقضاء عليه، لصالح أهداف مشروع (إسرائيل) الكبرى.

ولطالما كانت العمليات الحربية الإسرائيلية العدوانية، ضد قطاع غزة تنتهي باتفاقات التهدئة، وما خفي أعظم وأخطر(..!!) فإنَّ حرب الاحتلال الإسرائيلي هنا في الضفة المحتلة، هي حرب صراع الإرادات، الصراع الذي لن ننهيه باتفاق تهدئة، ولا بأي حال من الأحوال، فإمَّا أن نكون أو لا نكون، وهذا هو قرار المشروع الوطني التحرُّري، بقيادته الشرعية الشجاعة.

لن يكون بوسعنا أبدًا غير أن نكون، وعلى أرض العاصمة اليوم يتجلّى ذلك بمنتهى الوضوح، والاحتلال يعتقل ويلاحق المزيد من كوادر حركة "فتح" في العاصمة المحتلة، لأنَّهم كوادر المشروع الوطني التحرّري وفرسانه، كوادر الحركة الوطنية الفلسطينية ومناضلوها، أبناء فلسطين الذين لا عين لهم سوى على القدس العاصمة أن تعود حُرّة سيّدة، في إطار دولتهم التي يواصلون بناء المزيد من مقوماتها.

لم يعد المشهد في كل هذا السياق قابلاً للالتباس، ولطالما قلنا وما زلنا نقول ونؤكِّد، أنَّ الوحدة الوطنية تظل هي الضمانة الحقيقية لانتصار مشروعنا الوطني، وأنَّ هذه الضمانة ستكون أصلب وأقوى وأمضى مع المصالحة الوطنية، التي لن تمر إلا عبر بوابة إنهاء الانقسام البغيض أولاً، وبالواقع العملي الكامل لهذا الإنهاء، وعلى نحو حاسم لا يقبل التسويف، أو التأويل، أو البحث عن الشيطان الذي يريده البعض في التفاصيل!!

غير أنَّ "حماس" لا تريد مصالحةً غير التي تشرعن الانقسام البغيض، وتبقي على سلطتها المليشياوية، بسياستها التي لا تشبه غير سياسة "المافيا" العصابية، ولهذا تواصل التهرب من التعاطي الإيجابي مع الجهود المصرية، الساعية لإتمام المصالحة بصورة صحيحة، وقد تفهَّمت هذه الجهود على نحو إيجابي ورقة حركة "فتح"، وثمَّنتها طريقًا سالكًا لإنجاز المصالحة، لكنَّ "حماس" وهي تختلق أوراقًا للجهود المصرية لا واقع لها فإنَّما لتواصل مناوراتها التكتيكية، على الجهود المصرية ذاتها، ولعلَّنا نتطلَّع هنا أن يقول الأشقاء المصريون شيئًا بهذا الشأن، ونتطلَّع كذلك أن تعي بعض فصائل العمل الوطني هذه الحقيقة، وتكف عن إصدار بيانات الأبراج العاجية، لعلَّها تنخرط وبالمسؤولية الوطنية في عملية إنهاء الانقسام البغيض بصورة فاعلة ودون مقترحات غير واقعية، وهي ترى أنَّ هذا الانقسام هو أكثر ما يضرُّ بمسيرة شعبنا التحرُّرية.

أحد عشر عامًا من مناورات "حماس" وأكاذيبها عطَّلت على الدوام أيَّ تقدُّم حقيقي نحو إتمام المصالحة الوطنية، ولم يعد مقبولاً ألّا يرى البعض عندنا هذه الحقيقة، وألّا يدرك أنَّ لا نوايا لحماس لتحقيق المصالحة، بل إنَّ عينها لم تكن أبدًا على المصالحة الوطنية، بل على مشروعها الإخواني، مشروع الإمارة والقاعدة الإخوانية، فيما هي اليوم تحديدًا تُركِّز على تفاهمات التهدئة الإسرائيلية التي يُحذّر القيادي الحمساوي إسماعيل رضوان الاحتلال من التباطؤ في تنفيذها!! التفاهمات التي تتحمَّس لها "حماس"، وهي تُصوّرها بأنَّها التي ستُرمِّم برنامج المقاومة، حسب تبجُّحات محمود الزهار الدعائية، (إسرائيل) تُرمِّم إذًا برنامج المقاومة الحمساوي، فأيُّ برنامج للمقاومة هو هذا البرنامج؟؟؟

لا تسير "حماس" إلّا عكس تيار التاريخ، والسير هذا كما يؤكِّد التاريخ دائمًا، مُكلِف جدًّا، فهو يصيب البصيرة بالعمى تمامًا، فيما يمنح البصر مشهدًا من الأوهام التي لا تقود لغير الهاوية، لهذا تواصل "حماس" مناوراتها وأكاذيبها لأنَّ أوهامها كبيرة ومُغرِية ومريضة في الوقت ذاته، وقد انعدمت بصيرتها الوطنية، حتى ومشهد القدس لا يقول بغير الوحدة الوطنية وضرورتها الاستراتيجية، منذ معركة البوابات الإلكترونية، إلى صراع اللحظة الراهنة الذي ما زال يشهد علو كعب الإرادة الوطنية بفرسانها الشجعان، في ساحات العاصمة المحتلة.

حرب الاحتلال هُنا، وطريق التاريخ مع تيّاره ونحو حتميته الفلسطينية هُنا، و"التهدئة" هناك لن تخدم حتى اللاهثين وراءها، التي لن يكون بوسعها بعد قليل أن تُرمِّم شيئًا من أقاويل "حماس" وشعاراتها الشعبوية أبدًا.