أحد الملوك الصليبيين وهو يخرج مهزومًا من القدس، سأل صلاح الدين: ما الذي تعنيه القدس لك؟

ردَّ صلاح الدين: لا شيء وكل شيء

المقصود هنا أنّ الصراع على القدس لا يتعلَّق بالمكان المادي، بالرغم من أهميته، وإنّما الصراع على الرواية.

لذلك نحن وهم، أي الإسرائيليين الصهاينة، ندرك أنّ مَن يخسر معركة القدس والصراع بشأنها يفقد مبرر روايته الرئيس. ولذلك فإنَّ الحسم، حسم الصراع ولمرحلة طويلة قادمة سيكون في القدس، ومن هنا يجب ألا يحرف أحد بوصلة نضالنا عن القدس.

قد يقال، وهذه لغة المحبطين اليائسين، إنّ معركة القدس والصراع فيها قد حسم لمصلحة (إسرائيل) الصهيونية، خصوصًا بعد إعلان ترامب بأنَّها، أي القدس شرقها وغربها، عاصمة لـ(إسرائيل)، وبعد أن تمدَّد في المدينة سرطان التهويد الإسرائيلي كثيرًا. لو كان الأمر كذلك فلماذا إذًا تُنكّل سلطة الاحتلال بالفلسطينيين المقدسيين وبقيادات وكوادر "فتح" والفصائل الأخرى وتشن حملة اعتقالات واسعة بحقهم؟ ولمن لا يلحظ، فإنّ الحقيقة الأسطع في القدس، وبرغم كل المحاولات الإسرائيلية، هي الحقيقة الفلسطينية، بمعنى أنّ لا أحد يمكنه تغيير هُويّة القدس العربية بما فيها من تاريخ وحضارة وأماكن مقدسة إسلامية ومسيحية.

وبما أنَّ الصراع في القدس وبشأنها لن يحسم إلا إذا نجحت (إسرائيل) بشطب معالم الرواية الفلسطينية العربية، فإنَّ المعركة في القدس لا تزال في أوجها، فمن الغريب أن نسمع أصواتًا تشيع وتنشر لغة الاستسلام والهزيمة.

إنَّنا نخوض معركة القدس وهي معركتنا الرئيسة، وهي بالنسبة لهم أيضًا المعركة الحاسمة، فالصراع إمّا أن نكون أو يكونوا هُم عبر روايتهم التي تهدف إلى تزوير التاريخ. وبما أنَّ الأمر كذلك فإنّ أيّ طرف يريد بقصد أو غير قصد أن يحرف بوصلتنا عن القدس، فهو يسهم ويساعد الصهاينة على كسب المعركة.

ولكي لا يفهم الكلام على غير كاهله فإنَّ أي بقعة اشتباك وأي صمود فلسطيني هو في غاية الأهمية، ولكن يجب ألا يطغى أي اشتباك على معركتنا في القدس، فـ(إسرائيل) تسابق الزمن في محاولة لحسم المعركة لصالحها.

وبوضوح أكبر، هناك القوى الإقليمية، التي اعتادت على استخدام ورقة القضية الفلسطينية خدمة لمصالحها تحاول حرف نضال الشعب الفلسطيني نحو معارك جانبية ترسل هي ومن خلالها رسائل إلى (إسرائيل) والولايات المتحدة. لذلك علينا ألا ننحرف لا وراء هذه الأجندات، ولا وراء هؤلاء المهرولين نحو التطبيع مع (إسرائيل).

نحن الفلسطينيين من نمسك قرارنا ونُحدّد أولوياتنا والقدس هي أولويتنا، سنواصل المواجهة مع الاحتلال في القدس وسننتصر لأنّه مهما بلغ التزوير فلن ينجح في تغيير هُوية القدس العربية.