تقرير: ساهر عمرو

منذ ما يزيد عن 22 عاما، وقع الشهيد الخالد الراحل ياسر عرفات قرارا بإنشاء لجنة إعمار الخليل، لتعكس رؤية مستقبلية لكيفية التصدي ومواجهة المخططات الاستيطانية للاحتلال الاسرائيلي في مدينة الخليل.

طواقم لجنة الاعمار انطلقت لمأسسة هذه الرؤية وتحويلها الى خطط وبرامج عمل، احتاج إعدادها مستوى عاليا من القدرة على الابداع والابتكار، فهو عمل فريد من نوعه، وتجربة هي الأولى من نوعها سواء على المستوى المحلي أو الدولي، عمل محاط بالمخاطر والتحديات الجسام نظرا لخصوصية الحالة وكثرة تعقيداتها.

اعتمدت لجنة الاعمار في عملها على خطة واضحة، تهدف إلى حصار البؤر الاستيطانية المنتشرة في البلدة القديمة، ومنعها من التوسع الافقي، من خلال ترميم المباني المحيطة بهذه البؤر، والتي تعتبر هدفا للمخططات الاستيطانية، والعمل على إشغال هذه المباني وتسكين العائلات الفلسطينية بها، هذا ما قاله رئيس لجنة الاعمار عماد حمدان.

وأوضح أن البدايات كانت صعبة جدا، وفيها العديد من التحديات والمخاطر، ومثلت سباقا محموما بين لجنة الاعمار بطواقمها وامكانياتها المحدودة من جهة، وبين الاحتلال ومخططاته الاستيطانية وإمكانياته غير المحدودة من جهة اخرى، وأمام الإصرار التي ابدته لجنة الاعمار في العمل والسعي إلى تثبيت الحقوق الفلسطينية والتطور الكبير في الاداء والعمل، بدا واضحا للمحتل الاسرائيلي أن هذا العمل المؤسسي الذي تقوم به لجنة الاعمار سيشكل عقبة كبيرة أمام مخططاته الاستيطانية، ومن شأنه أن يفشلها في التقدم نحو السيطرة على البلدة القديمة، ولمواجهة ذلك أصدر الاحتلال عام 1997 أمرا عسكريا، يحدد فيه الصف الأول من المباني المحيطة بالبؤر الاستيطانية واعتبارها منطقة عسكرية مغلقة، يمنع العمل بها، فانطلقنا بالعمل للصف الثاني والثالث، وهكذا حتى استطعنا تغطية البلدة القديمة.

هذا وقد نشط الاحتلال على مدار الاعوام الماضية وحتى يومنا هذا على عزل البلدة القديمة عن باقي أجزاء المدينة، فقام بإغلاق ما يقارب 18 مدخلا مؤديا إليها، بالإضافة الى تقسيمها الى أربع مناطق: الأولى يسمح للفلسطينيين بالوصول إليها بشكل كامل، وبكافة وسائل النقل، الثانية يسمح بالوصول إليها فقط سيرا على الأقدام من خلال اجتياز عدد كبير من الحواجز والبوابات الالكترونية، ويمنع دخول وسائل النقل الأخرى إليها، منها محيط الحرم الابراهيمي وحارة جابر وحارة السلايمة وغيرها، الثالثة لا يسمح بالوصول أو الدخول اليها إلا لمن يسكن ويقطن هذه المناطق، وأن يكون اسمه مدرجا على كشوف الحواجز الإسرائيلية المتمركزة على مداخل تلك المناطق، مثل تل الرميدة وجزء من شارع الشهداء، أما الرابعة وهي المناطق التي لا يسمح للفلسطيني بدخولها أو الوصول إليها نهائيا، منها شارع السهلة والجزء الاكبر من شارع الشهداء ومنطقة الحسبة وسوق الذهب وغيرها.

إن هذه السياسة التي مارسها الاحتلال لعزل البدة القديمة، استوجبت وجود فعل فلسطينيي للتصدي لها، والعمل على خلق التواصل بين هذه المناطق ومحيطها، وكذلك إعادة الحركة وتسهيل وصول المواطنين الى قلب البلدة القديمة، فتواجد المواطنين واسكانهم في هذه المناطق هو وحدة الكفيل في محاصرة البؤر الاستيطانية ومنعها من التهام أجزاء اخرى من البلدة القديمة، على حد قول حمدان، الذي أشار إلى أن لجنة الاعمار وبالتعاون مع كافة الأطراف تمكنت من تحقيق ذلك، فقد نجحت في زيادة عدد السكان في تلك المنطقة بما يقارب 75%، حيث تم استقدام ما يزيد عن 7000 فلسطيني وإسكانهم بما تم ترميمه من مساكن، والتي تزيد عن 1400 شقة تم ترميمها بشكل كامل، كما تم ترميم كافة العيادات الصحية، وإضافة عيادات ومختبرات جديدة، وشمل كافة سكان المنطقة ضمن التأمين الصحي الحكومي، وتأهيل وترميم البنية التحتية داخل البدة القديمة، وربطها بالمناطق المحيطة بها، هذا بالإضافة إلى فتح ما يقارب 26 مكتبا لمؤسسات حكومية وأهلية تقدم خدماتها بشكل يوم لجمهور المراجعين والمواطنين، بالإضافة إلى ترميم ما يقارب من عشرة مدارس، وإضافة مدرسة جديدة تم الانتهاء من ترميم ابنيتها وتشغيلها هذا العام، بعد أن وضع أصحابها من آل عمرو ممتلكاتهم تلك والتي تبلغ مجموع مساحتها 2200 متر مربع من ابنية وساحات في عهدة لجنة الاعمار.

ويضيف حمدان: إن أداء لجنة الإعمار تطور بشكل كبير، وبدأنا نتحول من مرحلة التعامل مع الواقع، إلى مرحلة صنع الأمر الواقع، والتقدم على الاحتلال بخطوة إلى الأمام نحو حماية الحقوق الفلسطينية والحفاظ عليها، وذلك من خلال تنفيذ مشاريع استباقية، تهدف إلى عزل البؤر الاستيطانية عن بعضها، وقطع الطريق على الاحتلال ومخططاته في التوسع وربط هذه البؤر مع بعضها البعض، فتم الانتهاء من ترميم وتأهيل حارة السلايمة، الواقعة بين الحرم الابراهيمي ومستوطنة كريات اربع، وإسكانها بما يزيد عن 100 عائلة فلسطينية.

واعتبر حمدان أن نجاحات لجنة الاعمار، وتمكنها من الاستمرار في تحقيق أهدافها، يعود بشكل أساسي إلى المستوى العالي من الثقة التي بنته اللجنة مع المواطنين وأصحاب الأملاك في البلدة القديمة، الذين يضعون أملاكهم في عهدة لجنة الإعمار بعقود رمزية، يعطيها الحق في ترميمها وصيانتها وإسكان المواطنين بها، أو تحويلها لمكاتب عامة أو منافع عامة وبعقود رمزية ايضا.