لماذا يحاول بنيامين نتنياهو إغلاق الطريق أمام الانتخابات المبكّرة للكنيست؟؟ وقد فشل حتى الآن في محاولات ثلاث، أولها مع افيغدور ليبرمان وزير الحرب الذي قدّم استقالته، مع أن نتنياهو كان يعتبره من أسهل اللاعبين في ائتلافه الحكومي، وسبق نتنياهو ذات مرة أن جرده من وزارة الخارجية، وأبقاه معلّقًا في الفراغ إلى أن أعطاه وزارة الدفاع، ثم فشل مع بينيت وزير التربية والتعليم، رئيس حزب البيت اليهودي الذي كان سهل القيادة له، ثم فشل مع كحلون وزير المالية؟

وهل ينتهي مأزق نتنياهو إذا أُجِّلَت الانتخابات المبكرة إلى موعدها العادي؟ وغريب أشد الغرابة هذا المشهد المرتبك في (إسرائيل) مع أنّ العدوان الإسرائيلي ضدّ الشعب الفلسطيني، وحقوقه الكبرى يستمر ويتصاعد بغطاء من أميركا ترامب الذي تحالف مع نتنياهو إلى حد أنّ ترامب فرط بمكانة أميركا، وأخرجها من دورها إلى دور نقيضه، وهو شطب مفردات القضية عن الطاولة كما توهم ترامب، لكن جردة الحساب منذ جاء ترامب إلى البيت الأبيض، الأسئلة حول وصوله إلى مكتبه البيضاوي لا تزال تطرح بقوة، بل إن نتنياهو بتأثير من حليفه ترامب، أوجد حجما هائلا من الهرولة العربية باتجاه التطبيع المجاني، مفرطين بمبادرة السلام العربية التي أقرت في القمة العربية عام 2002، وأصبحت جزءًا رئيسًا من وثائق ومرجعيات المجتمع الدولي، ولكن الذين خانوها عربيا، لا وزن لهم، ولا كرامة لهم، ولا حصانة لهم حين تصل الأمور إلى تطوراتها القصوى، فلن يأبه بهم أحد، كما قال الشاعر العربي الكبير محمد الفيتوري "مات غدا فلم تحزن عليه دودة كسلى، ولا انشق حجر".

المأزق كان متوقّعًا داخل الصف الفلسطيني بسبب استمرار الانقسام، فلماذا انتقل المأزق إلى قلب (إسرائيل)، إلى الائتلاف الحاكم، إلى نتنياهو الذي كان يتوهّم أن القضايا العربية وأهمها وأخطرها قضية فلسطين يمكن أن تصبح جزءًا من اللعبة الداخلية الإسرائيلية، فإذا بالمأزق الإسرائيلي الحاد جدا يصبح هو العنوان.

السبب أن القضية الفلسطينية بأداء قيادتها الشرعية، ووحدة شعبها التي تتجاوز التصنيفات الرخيصة، ووضوح الهدف وعمق الوعي بالواقع بما فيه من صعوبات وتأهيل عالي المستوى لمواجهة هذه الصعوبات. وبالتالي حضور القضية الفلسطينية حضورًا لافتًا، أعاد هذه القضية إلى جوهرها الأصلي، إذا لم تحل بما هو مرضي، وإذا بقي التقافز حولها قفزات هروبية من قبل (إسرائيل)، ومن قِبَل إدارة ترامب، عبر الانحياز الغبي الأعمى من الطرفين أميركا وإسرائيل إلى بعضهما، فإنّ هذه القضية هي جوهريا التهديد الوجودي الحقيقي لإسرائيل واقعًا، ورواية، والخرافات لا تصمد كثيرا أمام الحقائق بل تزداد انكشافًا، وان الحضور الفلسطيني يزداد قدرة على الحياة والبقاء الفاعل، فأينما هربت (إسرائيل) فإنها ستجد فلسطين تلاحقها، وان (إسرائيل) التي حرّمت على نفسها امتلاك أية أجوبة للأسئلة الفلسطينية سوف تجد نفسها عاجزة عن استمرار تحمل عداوة العالم، وعاجزة عن استمرار الهروب، هي ومن أوجدتهم ثمار هذا الهروب الطويل.

الثقة بالنفس مهمة جدًّا في هذا الطور من أطوار قضيتنا، يجب أن نعرف أن ما تدّعيه (إسرائيل) عن أنّ اليهود كانوا هنا، وهجرتهم لألف سنة إلى فارس وروما هي خيالات لا يوجد إطلاقًا ما يدل عليها، و(إسرائيل) التي تهرب من الحقائق بالعدوان والكذب والتزوير، لا يمكنها أن تظلّ كذلك إلى الأبد.