استقال "ليبرمان" لأنّه لا يريد مذبحة سياسية للقضية الفلسطينية فقط، المذبحة التي يقودها رئيس حكومته نتنياهو، وإنَّما يريد أولاً مذبحة دموية لأهلها تمامًا، تذهب به إلى مقاعد أكثر في الكنيست الإسرائيلي، فلطالما كان الدم الفلسطيني المسفوح بشراهة وحشية الاحتلال، هو أفضل الدعايات الانتخابية لأحزاب اليمين العنصري الإسرائيلي المتطرّف!! لكنَّ حركة "حماس" لم ترَ ذلك، وهي تتماهى مع مذبحة نتنياهو، وتُسهِّل لها دروبها بتفاهماتها مع (إسرائيل)، المعلَن منها في العبارة التي باتت شهيرة، عبارة "عودة الهدوء"، وغير المعلَن في سلوكيات الامتثال لشروط هذه التفاهمات، التي كشف عنها القصف المدروس للحافلة التي كانت مليئة بجنود إسرائيليين، حيثُ انتظر "القاصف" خلو الحافلة من ركابها الجنود، فأرداها حديدًا محروقًا وممزّقًا فحسب، وركابها الجنود يتفرّجون عليها!!!

لعلَّ بعض الجنود قال إنَّ "القاصف" أخطأ الإحداثيات، لكنّ "الجنرال" كان يعرف أنّه ما من خطأ في هذا الإطار، وأنّ قصف الحافلة وهي فارغة من ركابها الجنود، إنَّما هو القصف الرسالة التي تريد تأكيد الامتثال الحمساوي لشروط التفاهمات الإسرائيلية، الامتثال الذي سيدفع إلى تقديم تسهيلات أكثر لحماس، والتي بشَّر بها القيادي الحمساوي أحمد يوسف، اثر إدخال (إسرائيل) للخمسة عشر مليون دولار لغزة، لصرف رواتب عناصر حماس بكشوفات الأسماء التي اعتمدتها!!

وبقدر ما هي استقالة ليبرمان دعاية انتخابية له، بقدر ما هي دعاية حزبية لحركة "حماس"، وهي تصوِّرها كمثل انتصار أشبه بانتصار معركة بدر الكبرى!! وقد عادت إلى جملتها الشعبوية لكن مع تعديل لافت، إذ لم تعد معادلة هذه الجملة "القصف بالقصف والدم بالدم" بل باتت "الدم بالدم والأمن بالأمن"!! الغاية الأمنية إذن إمّا الدم بالدم فإن حافلة كانت مليئة بجنود الاحتلال خرجت من هذه المعادلة، حتى وهناك أربعة عشر شهيدًا في غزة خلال ثمان وأربعين ساعة في العدوان الإسرائيلي الأخير!!

إلى متى تظل الخديعة ممكنة هذه التي تواصلها الجملة الشعبوية لحركة "حماس" التي تتوعَّد تل أبيب بقصف مدمّر، ولكن لا أحد يرى منه شيئًا، وردع لإسرائيل لا نرى منه سوى المضي قدمًا في دروب التفاهمات لأجل الهدنة طويلة الأمد!!

صخب "حماس" الشعبوي هو صخب مَن يريد أن يخفي بالصوت العالي جريرته، وكلّما قلنا إنّ العدوان الإسرائيلي يوحدنا، قالت "حماس" إنّنا نريد أن نركب الموجة وهي تتوغّل في لغة الاتهام والتشكيك الانقسامية، التي طالما يظل الزهار ناطقها الأبرز والأكثر تطرّفًا وتشنجًا!! وحين قصفت (إسرائيل) فضائية الأقصى، قال تلفزيون فلسطين هنا فضائية الأقصى، لكنّ هذه الفضائية لم تلتفت لهذه المبادرة خالصة النوايا الوطنية والتطلعات الوحدوية، فلم تذكر منها شيئًا وهي تواصل لغتها الشعبوية!!

إنّها استقالة ليبرمان التي أعطت لهذا الصخب الدعائي الحمساوي مزيدًا من الغطرسة والتبجّح بنصر لا يشبه أي نصر تعرفه الحقيقة ويراه الواقع!! فلا نصر مع التوسّلات "لوقف النار"، ولا نصر مع تفاوض مباشر وغير مباشر مع (إسرائيل)، لا تريد منه "حماس" غير تحصين إمارتها الإخوانية، الإمارة التي تقف بالضد من المشروع الوطني التحرري مشروع دولة فلسطين المستقلة من رفح حتى جنين بعاصمتها القدس الشرقية وبالحل العادل لقضية اللاجئين.

ويبقى أن نشير إلى أنَّ ليبرمان لم يخرج من الحياة السياسية في (إسرائيل) باستقالته هذه، إنَّها الاستقالة التي تريد تطويع هذه الحياة كي تكون قادرة، كما يرغبها، على ذبح الفلسطينيين وقضيتهم سوية ودون هوادة وأينما كانوا في غزة أو في الضفة، وسواء كانوا في هذا الفصيل أو ذاك!! فهل تدرك "حماس" هذه الحقيقة، وتدرك أنّه بالوحدة الوطنية، ومن خلال إنهاء الانقسام، سنحقّق نصر فلسطين الحقيقي والواقعي في دحر الاحتلال وانتزاع كامل الحرية والاستقلال؟؟