كانت وثيقة الاستقلال بمثابة اعلان دستوري يوجه النضال الفلسطيني في مرحلة البناء والتحرير، اعلان صيغت فيه ثوابت الشعب الفلسطيني واهدافه بدقة، ورُسِمَت ببنوده ملامح الدولة التي نريد، دولة مدنية ديمقراطية حرة، يسودها العدل والمساواة، دولة الحق والحقوق السياسية والانسانية، دولة مستقلة لا تابعة، دولة يأكل مواطنوها مما يزرعون، ويصدرون أكثر مما يستوردون، دولة يبدع شعبها اساليب مقاومة مشروعة، دولة لا مكان فيها للمحبطين اليائسين المتعاجزين والقاعدين المتفرجين، دولة توفي الشهداء والأسرى بعض تضحياتهم، وتشرق على الدنيا برؤى وأفكار خلاقة دولة تتميز عن سائر الدول في العالم انها دولة حركة تحرر، كل منهج وكل قانون فيها جوهره وروحه تحرير الانسان وتحرير الأرض، دولة نريدها نموذجا يحتذى لدى امتنا العربية، ولدى شعوب ما زالت تسعى لتبوؤ مكانة تحت الشمس رغم نيلها الاستقلال منذ عقود.
نريد بقيام دولة فلسطين قيامة جديدة للأمة العربية، فاستقلال فلسطين ربيعها الحقيقي وربيع السلام للانسانية.
دولتنا التي اعلن عن قيامها في اعلان الاستقلال هي دولة الصامدين في أرضهم، والمدافعين عنها، العاملين بإخلاص في مؤسساتهم المدنية، دولة المبدعين والمثقفين، دولة تبهر العالم بإضافات نوعية لفكر الانسانية السياسي.
كان اعلان وثيقة الاستقلال في الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1988 بمثابة برنامج سياسي لحركة التحرر الوطنية الفلسطينية، حدد اهداف الكفاح الوطني للشعب الفلسطيني لمرحلة ما بعد الكفاح المسلح، ذلك ان ربع قرن تقريبا من الكفاح المسلح كانت كافية لإثبات وجود شعب فلسطين.
بدأت المرحلة الجديدة في اللحظة التي قرأ فيها الرئيس القائد العام ابو عمار – رحمه الله – وثيقة المجلس الوطني، ويدل الاجماع غير المسبوق من قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية على الوثيقة على مكانة العقلانية والواقعية السياسية في تفكير قادتها.
توجهت القيادة الفلسطينية متسلحة بعقيدة الانتماء والافتخار بالهوية الوطنية الفلسطينية الى المعركة في ميادين المحافل الدولية السياسية والقانونية والدبلوماسي وعملت على تعزيز المكانة القانونية لفلسطين كدولة نظام وقانون، ودولة مؤسسات حتى لو مازالت تحت الاحتلال، فاعتراف العالم بدولة فلسطين هي النقطة الفاصلة مابين الحق والباطل، بين مشروع فلسطيني وطني حضاري منبثق من عقيدة الانتماء للانسانية والحرص على السلام بين شعوبها ودولها، على ارض وطنه، وبين مشروع احتلالي استعماري استيطاني عنصري متناقض مع قيم الانسانية ومخالف للقوانين الدولية، تجسده اسرائيل التي باتت في هذه اللحظة العلامة المميزة لجرائم الحرب وضد الانسانية ، والدولة المتمردة على القوانين والمواثيق الدولية.
مرت قاطرة وثيقة الاستقلال وعبرت مؤتمر مدريد، واتفاق اوسلو، وانتفاضة الأقصى، وانتزعت من الأمم المتحدة في العام 2012 اعترافا بدولة فلسطين عضوا بصفة مراقب، ما يعني اننا نسير نحو تحقيق ثابت وطني، فقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس هدف وطني اجمعت عليه فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، لأن تحقيقه كما جاء في نص الوثيقة (الاعلان) مرتبط بوعي الوطنيين الفلسطينيين لحقهم التاريخي والطبيعي في ارض وطنهم فلسطين.. وقيام دولة فلسطينية كحقيقة واقعة على ارض الوطن سيكون اول انتصاراتنا التي ستمكن شعبنا من تثبيت وجوده ولكن على خارطة العالم السياسية هذه المرة وللأبد.
ان كان اعلان الاستقلال قد انطلق قبل ثلاثين عاما، فان وعينا الوطني قد صار بحجم دولة.