أفيغدور ليبرمان، وزير الحرب الإسرائيلي غادر (وزارة الجيش) بعد ثمانية وعشرين شهراً وكان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" جاء للوزارة محملا بسلسلة من الوعود النارية في اغتيال وتصفية قيادات حمساوية، فضلا عن تهديداته للرئيس ابو مازن والسلطة الوطنية بعواظم الأمور، ووعوده لمصر بتدمير السد العالي، وترك البلاد تغرق .. إلخ من التصريحات والمواقف الشعبوية الجوفاء. لان المافيوي ليبرمان، رغم تبوّئه مركزا سياسيا وعسكريا مهما، غير انه لم يغادر موقع قبضاي البار، والحارس الشخصي، وحامل الشنطة للمعلم، ويبدو واضحا انه لم يرق إلى الزعامة السياسية الحقيقية.
حتى استقالته يوم الأربعاء الموافق (14/11/2018) جاءت اعتباطية، وفيها كثير من السذاجة والخفة، ودون حساب النتائج جيدا، حيث حاول من خلال الاستقالة في أعقاب التهدئة بين حكومته وحركة حماس، ان يجيش الرأي العام الحزبي والحكومي والجماهيري، على الأقل سكان المستعمرات المحاذية لقطاع غزة لدفع الحكومة لتبكير الانتخابات البرلمانية، وهز مكانة الليكود، وفي ذات الوقت استعادة ما خسره من رصيد داخل الشارع اليميني المتطرف في إسرائيل، وتعزيز عدد مقاعده داخل الكنيست القادمة.
ورغم انه بالمعنى الآني المؤقت، تمكن من تحقيق بعض ما ذهب إليه، حيث أظهرت الاستطلاعات الأخيرة تراجع شعبية ومكانة الليكود (من 36 مقعدا إلى 29 مقعدا)، وايضا زيادة رصيد حزبه إلى سبعة مقاعد في الكنيست، بعد ان كانت في الاستطلاعات السابقة لا تزيد عن خمسة أو في أحسن الأحوال ستة. كما ان المستعمرين من سكان غلاف غزةوغيرهم من المستعمرين أثنوا على خطوته، ومدحه أكثر من مسؤول من قادتهم، فقال يغئال لاهاف، رئيس الكتلة الاستيطانية "كارنية شمرون" انه رجل الأفعال، فمنذ اربعين سنة لم نشهد هذه النهضة الاستيطانية." (15/11/2018)، وقال عنه مراقب الحركة الاستيطانية، حجيتعوفران: أنه رجل الاستيطان، ولا سيما الاستيطان في الخليل (...) وهو لم يستشر نتنياهو في قراراته الموافقة على الاستيطان. (15/11/2018). واعتبروا انه وزير الحرب الأكثر وفاء للاستيطان الاستعماري، حيث تم بناء (6363) وحدة استيطانية في عهد ولايته لوزارة الموت الإسرائيلية.
غير ان هذا البريق اللامع لصدى استقالته الفولصوي، سيذهب مع رياح مناورات الداهية الكبير، بنيامين نتنياهو، الذي لم يستجب لخيار تبكير الانتخابات البرلمانية، رغم ذهاب البعض من المراقبين الاسرائيليين إلى هذا المنحى بعد لقائه مع نفتالي بينت يوم أمس الجمعة (16/11)، الذي أكد وأقرانه من قيادة حزبه "البيت اليهودي"، انه في حال لم يستلم وزارة الجيش، فسينسحب من الحكومة، ويدفع بتبكير الانتخابات. لكن نتنياهو استبق تطور الأحداث، ودفع موشيه كحلون، وزير المالية للإعلان عن رفضه لتولي بينيت وزارة الموت، وبالتالي الرفض لم يأت من رئيس الحكومة، انما من حزب "كولانو"، أضف إلى انه من خلال ماجرى تعميمه على مواقع التواصل الاجتماعي وأيضا في وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن تبكير الانتخابات قد يكون لصالح قوى "اليسار"، والأهم مما تقدم، انه التقى مساء الخميس (15/11) مع قادة المستعمرات في غلاف غزة ووعدهم بتحويل مليار شيقل كدعم لهم في مواجهة الأخطار، وهو ما يعني مباشرة سحب البساط من تحت أقدام ليبرمان وألاعيبه الساذجة.
وعلى فرض ان الأمور ذهبت باتجاه تبكير انتخابات الكنيست ال21 القادمة، فإن نتنياهو المستميت على البقاء في سدة الحكم، رغم كل الفضائح وقضايا الفساد، التي تلاحقه، فإنه صرح مؤكدا خلال الاسبوع الماضي: عدم وجود بديل له في إسرائيل. وبعيدا عن الغرور، الذي سيطر على شخصية زعيم الليكود، غير ان الوقائع تشير بشكل واضح لغياب المنافس الحقيقي له. أضف إلى انه يجيد فن المناورة والدهاء السياسي والعناد في آن. وبالتالي يستطيع خلال الحملة الانتخابية استعادة ثقة الجمهور من خلال افتعال أزمة أو أزمات لاقرانه من قادة أحزاب اليمين ليبقيهم جميعهم بما في ذلك ليبرمان نفسه تحت إبطه. لان الساحة السياسية والحزبية خالية له.
ومما تقدم، فإن الافتراض بأن استقالة ليبرمان نتيجة "هزيمة" إسرائيل في التصعيد الأخير، هو إفتراض من حيث الجوهر، لا يمت لذلك بصلة، لان إسرائيل، رغم فشلها الواضح في عمليتها الاستخبارية يوم (11/11)، وعدم ردها بما يتناسب مع حجم القذائف المنطلقة من محافظات الجنوب الفلسطينية، لم يكن نوعا من الضعف، بل كان جزءا من عملية سياسية أبعد مما يمكن إيقاعه في صفوف المواطنين الفلسطينيين، ولخدمة أهداف دولة الاستعمار الإسرائيلية. وكانت عملية "ضبط النفس" واضحة من الطرفين الإسرائيلي والحمساوي. دون أن يقلل ذلك من بطولة واستبسال المقاومين الفلسطينيين.