ياسر عرفات، ورفاقه خليل الوزير، صلاح خلف، محمود عباس، كمال عدوان، أبو يوسف النجار، سليم الزعنون، عبد الفتاح حمود، وآخرون من الذين أسسوا فتح في أواخر الخمسينيات، ومن ثم انطلقوا بمغامرة الثورة المسلحة عام 1965 هؤلاء كانوا شبابا في مقتبل العمر تتراوح أعمارهم ما بين 26 و30 عاما.

من هنا خطرت لي بعض الأسئلة، وربما تخطر عند غيري، هل كان هؤلاء الشباب يدركون ما الذي يفعلونه، بأنهم يتمردون على القدر الصهيوني الذي فرض على فلسطين وشعبها؟

هل كانوا يدركون أن هذا المشروع أقوى بكثير من قدرات الشعب الفلسطيني وبالتالي يدركون الثمن الباهظ الذي قد يدفعونه نتيجة تمردهم على هذا القدر؟

والأهم وهم يعلنون تمردهم، هل كانوا على معرفة حقيقية بطبيعة المشروع الصهيوني وحجم الدعم الاستعماري له وحجم تواطؤ النظام العربي الرسمي معه؟

وعلى صعيد الأهداف، هل كانت واضحة بالنسبة لهم غير الهدف الاستراتيجي تحرير فلسطين، كيف يمكنهم إعادة توحيد شعب قد تشتت؟ وكيف ستستعاد الهوية الوطنية بعد أن جرى طمسها وتغييبها عن المشهد تماما؟ وكيف سيعيدون انتماء الفلسطينيين لهويتهم بعد أن توزعوا على الأحزاب القومية والإسلامية واليسارية؟

كيف اكتشفوا مبكرا أن هذه الأحزاب، وإن استخدمت القضية الفلسطينية، فهذه القضية ليست أولوية لهم؟

أسئلة كثيرة أخرى، ولكن علينا أن نلاحظ أن عرفات ورفاقه لم يكونوا بحاجة لقراءة الكتب، أو أن يراجعوا الأرشيف والوثائق، ليعرفوا ما هي الصهيونية وطبيعة مشروعها التوسعي، هم عاشوا بشكل مباشر مأساة النكبة واختبروا هذا المشروع عندما تحول الشعب الفلسطيني بين ليلة وضحاها من مواطن إلى لاجئ مشرد فقد وطنه وأرضه ومقدراته.

لم يكونوا بحاجة لأن يقرأوا عن تواطؤ البعض العربي، فقد اختبروا بالملموس هذا التواطؤ عندما حرم المتواطئون إلى جانب الاستعمار والصهيونية الشعب الفلسطيني من حق تقرير المصير والاستقلال والدولة الخاصة به.

لقد نضج وعي ياسر عرفات ورفاقه على نار النكبة، نار الفقدان المريع للوطن. نضج وعيهم وهم يرون عمليا شطب الشعب الفلسطيني وفلسطين عن الخارطة وطمس هويته الوطنية ومنعه من استعادة وطنه من قبل بعض الأنظمة العربية.

نضج وعيهم مبكرا حول فكرة "ماحك جلدك مثل ظفرك"، وفكرة ان يعتمد الشعب الفلسطيني على نفسه أولا ويحرر إرادته من الوصاية والهيمنة.

أن إبداعهم وعبقريتهم في أنهم تمردوا على الواقع، على الظلم الكبير الذي تعرض له شعبهم، عبقريتهم أنهم راهنوا على أنفسهم وعلى أبناء شعبهم، فقلبوا الطاولة وغيروا التاريخ وقرروا مواجهة القدر الصهيوني وعدم الاستسلام له.

سؤال أخير يخطر على بالي وعلى بال الكثيرين، إذا كان وعيهم قد نضج مبكرا بالتجربة المرة، وأدركوا طبيعة المشروع الصهيوني، لماذا وقعوا على اتفاقيات أوسلو؟

عرفات ورفاقه، خاصة محمود عباس أبو مازن، أدركوا أن المشروع الصهيوني ذا الجوهر التوسعي والنافي للآخر، ولوجود الشعب الفلسطيني، هذا المشروع المدعوم بقوة من الاستعمار العالمي، بل هو المشروع الأهم لهذا الاستعمار، أدركوا انه لا يمكن هزيمته دفعة واحدة، وان المهم محاولة وقف تمدده وتوسعه، وإجباره على الاعتراف بالشعب الفلسطيني كشعب له حقوق سياسية وليس مجرد سكان، لذلك وقعوا على أوسلو، ولقد أدرك اليمين الإسرائيلي المتطرف خطورة هذا الاتفاق فاغتال رابين لاغتيال أوسلو أساسا.

ياسر عرفات ورفاقه تمردوا على القدر الصهيوني الذي رسم للشعب الفلسطيني ومنذ إعلان تمردهم وحتى الآن والمحاولات متعددة الأطراف مستمرة لاحتواء هذا التمرد الذي يعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني الحرة.

المعجزة التي صنعها عرفات ورفاقه هي أن الشعب الفلسطيني أعيد إلى الخارطة وهو صامد بقوة على أرض وطنه ويدرك أن صراعه طويل مع الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي، لكنه سيواصل كفاحه وهذه الحقيقة هي الأسطح من الشمس.