الخمسة عشر مليون دولار التي أدخلتها إسرائيل إلى قطاع غزة، جعلت رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية يعلن "ها قد بدأنا بقطف ثمار التضحيات"، والتضحيات التي يتحدث هنية أنَّه بدأ بقطف ثمارها (..!!) ليست تضحيات جماعته الحمساوية الإخوانية، وإنَّما هي تضحيات الناس الذين خرجوا لأجل العودة في مسيرات العودة، وفقدوا خلالها فلذات أكبادهم أطفالا وفتيانًا وفتيات برصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي، ليكتشفوا اليوم أنَّ مسيراتهم وتضحياتهم لم تكن لغير أن تحظى حماس برواتب عناصرها، وبكشوفات الأسماء التي تعتمدها إسرائيل!.

خمسة عشر مليون دولار لأجل هذه الرواتب، وليس من أجل التخفيف عن معاناة أهلنا في القطاع المكلوم، كما زعم العديد من ناطقي حركة حماس !. إنَّه بيع مفجع لدماء الشهداء بوضح النهار، لا أكثر ولا اقل، وبالقطع فإنَّ هذا البيع لا يبعث سوى على الحزن، لكنَّه عند الذين باعوا مصدر فرح، هو بالضبط فرح تجار الحروب الذين عادة ما يستثمرون أشلاء الضحايا ودماءهم لأجل ثرائهم فحسب، ولعل سامي أبو زهري الذي يوصف بأنَّه قيادي في حركة حماس، عبر عن هذا الفرح الذي قاطعته عشرة فصائل فلسطينية، وهو يعلن، وعلى نحو التباهي، إنَّ هذا اليوم الذي حصلت فيه حماس على هذه التسهيلات (الإسرائيلية بالطبع والواقع) هو يوم حزين عند "حكام المقاطعة" حسب تعبيره بالحرف، والواقع إنَّ أبا زهري يصدق لأول مرة، دون أن يرغب بذلك، ودون أن يدري، يصدق بتقديره هذا، إنَّ حزنًا قد عم مقر الرئاسة، لأنَّ اليوم الذي تباع فيه دماء الشهداء والضحايا الأبرياء على هذا النحو المفجع، لن يكون إلَّا يوم حزن، وليس في مقر الرئاسة فقط، وإنَّما في كل أرجاء فلسطين، وعند كل أبنائها الأحرار.

وليس فرح الحمساويين على أية حال فرح بالصفقة الخطيئة فحسب، بل إنَّه فرح الوهم الذي يصور لهم، أن تسهيلات إسرائيل ورضاها عنهم، سيقود إلى مزيد من تمكين سلطتهم الانقسامية، وهنا يكمن تواطؤهم مع صفقة ترامب الصهيونية وتآمرهم على المشروع الوطني التحرري، مشروع دولة فلسطين الحرة المستقلة من رفح حتى جنين، بعاصمتها القدس الشرقية.

ولأنَّ الواقع الحمساوي التآمري بات على هذه الدرجة من التكشف والفضيحة، فإنَّه من الضرورة الوطنية اليوم، التصدي لهذا الواقع من الكل الوطني لتغييره، بإنهاء الانقسام البغيض على نحو تام وحاسم، وأولاً في التخلي عن خطاب الذرائع والمزايدات البلاغية، الذي ما زال البعض يردده بلا أيَّة مراجعة، ولا أي تفحص، بل لا بد من نقد وتعرية الأكاذيب والافتراءات الحمساوية التي تطيل حتَّى الآن في عمر الانقسام البغيض ..!! لا مجال بعد الآن لأيَّة مراوغات بهذا الشأن، والتاريخ لن يرحم من يتخلف عن هذه المهمة الوطنية الملحة، مهمة إنهاء الانقسام بالوحدة الوطنية التي تضع النقاط على الحروف وتتحمل مسؤولياتها كما تتطلع فلسطين وأهدافها العادلة في مشروعها التحرري.