مئة عام تفصل بين وعد بلفور المشؤوم ووعد ترامب الأكثر شؤما، الوعد الأول الذي صدر في الثاني من تشرين الثاني عام 1917م، أعطاه احد الرجال الذي يعتبر الأشد كرها واحتقارا لليهود، وساهم بدور كبير في عدم السماح بهجرة اليهود إلى بريطانيا، بعد تفشي العنصرية القومية الأوروبية ضدهم والتي وصلت ذروتها مع قيام الحركة النازية في ألمانيا.

وهذه العنصرية القومية الأوروبية كان لها مسيرات كبيرة في أوروبا، بدأها شكسبير الشاعر والمسرحي البريطاني الكبير بابتداع شخصية (شايلوك) اليهودي المرابي القذر، في مسرحيته الخالدة (تاجر البندقية)، وساهم الفرنسيون في خلق النموذج اليهودي الخائن غير شخصية الضابط اليهودي في الجيش الفرنسي الذي ثبت انه بريء بعد إعدامه، كما كانت دول أوروبية كثيرة، أدباء كثيرون حتى في أميركا نفسها قد نجحوا في تكريس صفات مهينة ومتدنية لليهود في أعمالهم الأدبية.

بعد مئة سنة، صدر الوعد الثاني لصالح إسرائيل المعتدية المحتلة، تبعا للقانون الدولي، والقرارات الشرعية الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة، وغيرها من الآليات الدولية، الوعد الثاني الأكثر خواء وغباء وعدوانية صدر عن الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة دونالد ترامب، وهو يكره نفسه، ويكره العالم، وتحركه أحلام مريضة، ويعاني من اختبارات قاسية، فتح في العالم كله ملفات الكراهية دون ان يتمكن من النجاح في إغلاق أي ملف، رجل يعاني من خواء عقلي، ومن ادعاءات فارغة، فوبيا السقوط، ذلك هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي بلغ به الجنون وفقدان السيطرة على نفسه انه أصبح رمز العداء للعالم أجمع، كل من يختلف معه بحرف واحد يوضع في قائمة الأعداء، وهذه الحالة أصابته وأفقدته التوازن وهو يواجه القيادة الفلسطينية عندما شرع في جر الولايات المتحدة من موقع الوسيط إلى موقع العدو اللدود فزادوا استكبارا وغباء وطغيانا.

إسرائيل الصهيونية، القائمة على الخرافة، قبلت بوعي وتعمد أن تكون في خدمة القوى الاستعمارية ثم الامبريالية الأكثر توحشا، وفقدان العمق الاجتماعي أو الإنساني، عدو بالمطلق عاجز عن إنتاج نفسه بغير هذه الصفة تحاول من خلال استثمار نفسها كأداة قتل ضد الفلسطينيين، وتحاول أن ترسم خارطة المستقبل على وهم القوة المعربدة الحمقاء، دون النظر إلى أن عامل القوة هو عامل متغير في الزمان والمكان، دون أن تعي أن التاريخ الإنساني المستمر يفند تماما هذه المقولة، فيمكن للضعيف أن يصبح قويا، ويمكن للقوي أن ينحدر إلى هاويات الضعف والانحطاط بل والاندثار، ولكم من حضارات سادت ثم باءت، وكم من أقوياء أصبحوا نسيا منسيا.

هذان الوعدان المشؤومان، وعد بلفور أولا، ووعد ترامب، يواجهان الوعد الفلسطيني، الوعد الحق بوعي عميق، وحكمة مجربة، وشجاعة عالية الهمة، الوعد الفلسطيني يقول بثقة ويقين ان هذه أرضنا، وهذه قدسنا، هذه هويتنا، وهذه عقيدتنا، وإنا هنا باقون.

يحاول صاحب الوعد الثاني ترامب ما يعتقد انه جديد، أن يدخل في المعركة المتساقطة مثل حماس، ثم العرب من أنصار التطبيع المجاني نذكر انه قبل صلاح الدين الأيوبي كان أمثال هؤلاء، وقبل عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد كانوا، فماذا جرى لهم ولمن اعتمدوا عليهم ؟