بقلم: د عبد المجيد سويلم

ليس سهلاً على أي كاتب صحافي في ظل ما يشهده القطاع من حالة اقتصادية مزرية أن يضع ما يحاك لفلسطين وللقطاع تحديداً وعلى الخصوص تصوراته وتحذيراته ومخاوفه على الورق، وذلك لما يحمله الأمر من حساسية معروفة في مثل هذه الظروف.

كما أنه ليس سهلا على الإطلاق أن تقود تلك التصورات والتحذيرات والمخاوف كل متابع للشأن الوطني وخصوصاً فئة الإعلاميين وصناع الرأي العام إلى الوقوف في خط معاكس لمحاولات تخفيف الحصار عن الأهل في القطاع، ولا حتى تنبيه الرأي العام بصورة مباشرة من السم الذي يدس لنا في القليل من الدسم الموعود.

نعم ليس سهلاً

أين إذاً معادلة مسؤولية الكلمة وأمانتها وكيف للإنسان أن يجد ذلك الوسط الذهبي الذي يراعي تلك الظروف ويحافظ على مسؤولية الكلمة وصدقها.

الكلمة الفصل هنا – كما أرى هي معادلة وطنية لا هوادة فيها ولا مجال للمساومة عليها.

فإذا كانت صفقة الهدوء مقابل التخفيف من الحصار معدة كي تكون جزءاً من آليات قادمة تقود نحو إنهاء محاولات استعادة الوحدة والوصول إلى شراكة وطنية تنهي الانقسام، فان الهدوء مقابل تخفيف الحصار يتحول بصورة مباشرة إلى حالة انفصال سياسي مضمون سلفاً، كما يتحول إلى انخراط مباشر أو غير مباشر في تصفية القضية الوطنية وفق إستراتيجية الولايات المتحدة وإسرائيل، حتى لو اقسم أصحاب وأهل هذا الانفصال والانخراط بأغلظ الأيمان، ومهما كانت قدرتهم فائقة على التلطّي وراء شعارات رنانة وطنانة من قبيل المقاومة أو الممانعة أو غيرها.

وإذا سارت الأمور بهذا الاتجاه ووفق هذا النهج يكون أهل الانخراط والانفصال وأصحابه والقائمون عليه قد باعوا المقاومة والممانعة في سوق المحافظة على التحكم بالقطاع، وتكون الأمور قد انجلت وانكشفت.

حينها لن ينفع أصحاب مشروع الانفصال والانخراط كل العويل الذي سمعناه عن معاناة أهل القطاع، وسيكتشف أهل القطاع بأنفسهم كيف أنهم قد استُدرجوا إلى كمين لعين لاصطياد التضحيات والعذابات وتجييرها لصالح مشروع سياسي صغير أو متناهي الصغر، وكيف أن المصالح الخاصة والفئوية هي سيدة الموقف، وهي الهدف والمبتغى والمستهدف. الأخطر من ذلك كله هو أن فلسطين في هذه الحالة تكون قد خسرت على مستويين كبيرين.

الأول: وجود قوى سياسية مستعدة للمساهمة في تمرير مخطط شرير تقوده الولايات المتحدة وإسرائيل.

والثاني: تسديد ضربة موجعة لأصحاب المشروع وتجريدهم من أي دور وطني، وتشويه صورة المقاومة وإلصاق تهمة الخيانة والتآمر بها.

وفي كلا الحالتين تكون إسرائيل قد حققت أرباحاً صافية غير مسبوقة، ودون كلفة تذكر، وتتحول إلى أكبر مبتز في العصر الحديث، بحيث تصبح لقمة العيش لأهلنا في القطاع مغمسة بصلف هذا الابتزاز.

إما إذا كانت هذه الصفقة (صفقة الهدوء مقابل تخفيف الحصار) مجرد بحث عن انفراجة مؤقتة أو حتى دائمة وهي ليست مشروعاً قائماً بحد ذاته، ولا نهجاً سياسياً مستعداً للذهاب في مشروع الانفصال والانخراط في صفقة القرن فإن دليلها الوحيد هو الموقف من المصالحة ومن إنهاء الانقسام.

هنا لا مجال للف ولا للدوران، ولا هوامش تذكر يمكن لها أن تساعد أحداً بالاستمرار في لعبة الباب الدوار.

وهنا بالذات يكمن المحك الفعلي، وهنا فقط تتكشف الحقائق عارية وبدون رتوش الكلام ورنين الشعارات، هنا لا مجال للخطابة ولا مجال للمواويل السياسية. هنا وهنا بالذات سنعرف مآل الهدوء ومآل التخفيف. القائمون على الصفقة الصغرى عليهم تقع مسؤولية التبرؤ من طريق الصفقة الكبرى.

يقال أن الأشقاء المصريين يعدون «لمفاجأة» سارة على صعيد المصالحة، ويقال إنهم لن يتركوا أمر هذه الصفقة الصغيرة يندرج في الكبيرة، ويقال أن بعض الفصائل الكبيرة في المنظمة أصبحت تضع يدها على قلبها من أن تكون الأمور قد «خرجت» عن دائرة التخفيف من الحصار، وانتقلت أو يمكن أن تنتقل إلى «الانخراط» الذي أشرنا إليه، ويقال إن مخاوف التجسير بين الصفقتين فعلية وحقيقية، ما يضع الجميع أمام مسؤولية مباشرة وكبيرة.

إذا كان كل ما يقال صحيحاً هنا فإن مهمة أصحاب مشروع الانخراط والانفصال ليست سهلة، وطريقهم ليس معبدا بالورود. مع إن هذا الطريق حتى ولو كان معبداً فعلاً بالورود فإن ذلك لا يمنع وصولهم إلى جهنم.

لا أحد يريد أكثر من مسؤولية الوحدة، ومسؤولية البقاء في دائرة هذه الوحدة لمواجهة الأخطار. مسؤولية الكلمة كما أسلفنا تقتضي الكثير من المصارحة، والكثير من الوضوح، ذلك أن عصر الغمغمة والتورية أصبح خلفنا، ولم يعد الكلام المنمق والإنشاء السياسي ذا صلة فعلية بالسياسة الحقيقية.

أما المراهنات على أعداء الشعب والوطن والقضية على حل مشكلات وطنية فهو كلام معلق بالهواء، والمراهنة على الأزمة الإنسانية لكي تكون بديلاً عن الحقوق الوطنية هي حماقة لا تغتفر، ولهذا بالذات من يعادي الوحدة، ومن يقف ضد إنهاء الانقسام هو الذي يستحق أن ننعته بالغبي الذي تعلق بحبال الهواء.