تقرير: يامن نوباني

يميل غالبية الكُتاب والأدباء إلى إيجاد طقوسهم الخاصة أثناء الشروع بالكتابة، وربما قبلها، في مرحلة الاستلهام والتهيئة لمشروع أدبي جديد.

منهم من يختار طقوس مجنونة ومحيرة، وآخرون يكتبون في هدوء تام وعزلة، رفقة عالمهم الخاص جدا. لكل كاتب منهم مواعيده وأمكنته وأدواته وظروفه.

يقول الشاعر والروائي والمسرحي ممدوح عدوان، في مقدمة كتابه "جنون آخر": يعلق الكثير من الأصدقاء على الغزارة التي أكتب بها، والكمية التي أنجزتها. ويقول لي بعضهم ممازحاً: متى تكتب؟!.. متى تجد الوقت للكتابة؟!.. ومتى تقرأ؟!.. هل يومك سبعون ساعة؟!..

والأمر ببساطة هو أنني أعرف كيف أستفيد من وقتي. فيومي يبدأ باكراً جداً (في الساعة السادسة تقريباً أو السادسة والنصف). وأعكف على «الشغل» حتى الواحدة أو الثانية إذا لم أكن مضطراً للخروج من البيت. بعدها يأتي دور الأصدقاء سواء في البيت أو في المطاعم.

قبل هذا الوقت يكون الناس في أشغالهم. أي أنه لا وقت لدي للناس، ولا وقت للناس من أجلي. عند الظهيرة يتجمع الناس. وأجتمع بهم. ولكنني أكون قد اشتغلت ما بين الخمس ساعات والسبع ساعات.

في كتاب "طقوس الروائيين" الصادر عام 2010 بثلاثة أجزاء ينقل مؤلفه عبد الناصر الداوود، العديد من التجارب للروائيين والكتاب، عربا وأجانب:

الروائي الجزائري بشير مفتي: في سابق عهدي كتبت في أماكن مختلفة، في المقهى، مكتبة الجامعة، أي أين أجد طاولة فقط وقلما وأوراقا، ثم بعدها تغيرت الأمور، صرت أكتب فقط في بيتي الذي استأجره، لا استطيع الكتابة في مكان آخر، حتى لو كتبت خارج ذلك المكان فأنني لا أضيفها لعملي الروائي. دعيت مرة لقضاء شهرين في فرنسان من أجل الكتابة، إلا أنني لم أستطع كتابة حرف واحد.

كتبت روايتي الأولى بالقلم، وكنت أظن أنني لن أنتقل للحاسوب نهائيا في الكتابة، ولكن انتقلت مع روايتي الرابعة للحاسوب، وأعترف أنه افضل من حيث توفير الوقت والتصحيح والمراجعة، وإعادة الكتابة.

الكاتب الأمريكي بول اوستر: أكتب بواسطة قلم رصاص في دفتر، وفي آخر اليوم، إذا ما حققت شيئا جديرا بالذكر أطبعه على ألتي الكاتبة القديمة أولمبيا. أحتاج إلى صمت كامل كي أستطيع الكتابة، خصصت لنفسي غرفة في الطابق السفلي في المنزل، غرفة صغيرة جدا ومتقشفة إلى اقصى الحدود، إذا لا تتضمن سوى كرسيّ الأخضر وعشيقتي أولمبيا، ورسمين قامت بهما ابنتي عندما كانت صغيرة، لكنني قادر على الكتابة في أمكنة مختلفة.

الروائي المصري خيري شلبي: أكتب غالبا في الليل، فهو الوقت المناسب لي دائما، حيث الهدوء التام، بعيدا عن ضجيج الأطفال والمقاطعات الكثيرة. أظل أكتب حتى أشعر بالتعب.

في السابق كنت أعاني من ازدحام منزلي بالأطفال، وكنت في بحث دائم عن مكان مناسب لي، وبعد رحلة بحث وجدته في حي قريب من أحد المقابر حيث تعطلت سيارتي ذات مرة، خلال انتظاري اصلاحها من قبل المهندس أخرجت قلما وورقة اكتب فيها أحداث وشخصيات إحدى رواياتي، ومنذ ذلك الوقت اصبحت ألجأ إلى ذلك الحي واستمر تعلقي به وقتا طويلا وشهد كتابة أكثر أعمالي. الآن وبعد هذا العمر أجد البيت هو المكان المفضل لدي.

الروائي التركي سردار أوزكان.. أكتب في البيت حيث لدي منظر بحري رائع على مضيق البسفور، يطل ملى مدخل البحر الأسود. لكن أحيانا أكتب في المقاهي بجانب البحر. القرب غلى البحر ضروري للكتابة.

الكاتب الكويتي طالب الرفاعي: عادة أكتب في المساء، أثناء وجودي في البيت، حين يخيم الهدوء، ما بين الثامنة والنصف والثانية عشرة، وفي السنوات الأخيرة ونتيجة تفرغي للكتابة، صرت أكتب في ساعات الصباح ما بين التاسعة والثانية عشرة. غرفة مكتبي الخاص هي المكان المناسب والمحبب للكتابة، جربت الكتابة أثناء السفر في اماكن متفرقة، ولم يشكل تغيير المكان عائقا أمامي، على شرط توفر الهدوء.

الروائي اليمني علي المقري، يبدأ الكتابة عند الخامسة عصرا ويستمر حتى منتصف الليل. يقول: الماء هو المشروب الضروري بالنسبة لي لحظة الكتابة. وطوال ثلاثة عقود تعودت الكتابة بوجود خلفية موسيقية هادئة. موسيقى نقية دون غناء. ثم جربت الكتابة وسط الصمت دونما أي موسيقى، لأكتشف صفاء أكبر، ومن يومها وأنا أكتب والصمت صديقي الوفي.

الكاتبة الكويتية ليلى العثمان، ليس من مكان يهيأني ويريحني للكتابة مثل بيتي وعلى مكتبي بالذات، لأنه المكان الوحيد الذي أترك عليه أوراقي مفرودة دون أن ألملمها، وأقلامي الرصاص مبرية وجاهزة فأباشر الكتابة من حيث انتهيت. وهذا لا يعني أن تغير المكان يؤثر على الرغبة في الكتابة، مثلا: أنجزت فصولا عدة من "صمت الفراشات" ما بين الكويت وصنعاء. وكتبت فصول من رواية "المحاكمة" ما بين الكويت وبيروت. وأحيانا أكتب مقالة أو خاطرة في مقهى.

الكاتب المصري مكاوي سعيد: أنا أميل للكتابة على المقاهي والكافتيريات وهي عادة اكتسبتها منذ ايام الدراسة، لا أكتب في الليل أبدا، أكتب في الصباح منذ العاشرة وحتى الثانية بعد الظهر، ولا اكتب في شهور الصيف، فالجو الحار ينفرني من الكتابة، أكتب في الشتاء وكلما اشتدت البرود اشتدت رغبتي بالكتابة.

الروائية السورية هيفاء بيطار: وقتي المناسب للكتابة هو الفجر دوما، خاصة في حالة الرواية والقصة القصيرة، ام المقالات فأكتبها في أي وقت. أحب صوت الصمت واحب شعوري أن المدينة نائمة وأنا مستيقظة ألاحق فكرة واكتبها. أكتب لساعتين تقريبا في اليوم وربما اضيف اليها.

المكان المناسب للكتابة هو الصالون الفسيح. أيحانا أكتب قصص قصيرة في المقاهي خاصة تلك المطلة على البحر. أظن أن بحر بيروت وبحر اللاذقية علماني الكتابة بسلاسة وإحساس عميق.

الروائي الجزائري واسيني الأعرج: يرى ان "كل الأوقات صالحة" للكتابة. ولكن هناك طغيان للحظات قد تكون خاصة. وقتي الطبيعي هو الفجر، قبل بزوغ الشمس، وحتى الثانية. أتوقف للغداء ثم أعاود الكتابة حتى السادسة. المكان المناسب لي هو بيتي، مكتبي. أنا رجل بيتوتي على العموم، انسان لا يفعل شيء آخر إلا الكتابة وبعض الحماقات الهامشية الجميلة. قد اكتب وأنا في المترو أو الحديقة. أسافر أحيانا 8 ساعات واجد متعة في الكتابة بداخل الطائرة، أصبحت الطائرة من امكنتي للكتابة وبعدها النُزل.

الكاتب الايطالي ألبرت مورافيا: يستيقظ في السادسة صباحا يتناول افطاره ويجلس على مكتبه المطلة نافذته على البحر، يراقب الناس وهم يعيشون حياتهم اليومية. على آلته الكاتبة كان ينهمك في الكتابة منفصلا عن الواقع وذاته، ليعيش بين أبطال قصصه ورواياته. في الثامنة والنصف يلقي على الصحف اليومية نظرة سريعة، ثم يعاود الكتابة. في الحادية عشر والنصف تنهكه الكتابة، فيذهب في جولة يومية إلى مدينة "سابوديا" ويشتري الكتب من مكتبتها الوحيدة كافليير".

الروائي الأردني الياس فركوح، في بداياتي كان الصباح الباكر وساعات الفجر الأولى الوقت الأنسب للكتابة، كوني من الذين لا يطيلون السهر، وسبب ذلك طبيعة حياة الأسرة المستكينة والمستقرة على برنامج يومي يبدا في السادسة صباحا وينتهي في الثامنة، أو العاشرة ليلا في الحالات المتطرفة.

اضافة لمكوثي في فترة مبكرة من حياتي لمدة اربع سنوات في مدرسة داخلية ذات نظام رهباني صارم. غير أن التغير الذي طرأ بالتدريج، وطبيعة العمل الإداري لدار النشر التي أتولى أمورها، دفع بي لأن أكرس ساعات الليل حتى بدايات الفجر وقتا مناسبا للقراءة او الكتابة. بما لا يقل عن 3 ساعات ولا يزيد عن خمس.