قطع الفلسطيني الوطني وعدًا مع أرضه التاريخية والطبيعية، على تحريرها ومع شعبه على تحقيق الحرية والاستقلال والسيادة، وأن تبقى القدس العاصمة الأبدية لفلسطين وهذا الوعد أزلي، كان وسيبقى ما دامت حركة الزمان والحياة قائمة وما دامت الشمس تشرق على الدنيا. أما الوعود الثلاثة، فزائلة مهما طال بقاؤها.

مع مرور عام بعد المئة على وعد بلفور لابد من رسالة للإسرائيليين اليهود وتحديدًا أولئك الذين كانوا ومازالوا ضحية تضليل ممنهج، ونقولها لهم بكل صدق وإخلاص: أنتم ضحايا برنامج تضليل مارسته عليكم القوى الاستعمارية الكبرى في هذا العالم منذ أن أعطى وزير الخارجية البريطاني بلفور وعدًا لأجدادكم الغرباء الذين لا حق لهم أبدًا في ارض وطننا فلسطين، وصولا إلى ترامب الذي وعدكم باغتيال روحنا وثقافتنا وهويتنا، عندما نفَّذ وعده باعتبار القدس عاصمة لدولتكم التي تقر كل دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأميركية أنّها دولة احتلال.

ما يجب أن تعرفوه أيها الإسرائيليون اليهود أن بريطانيا العظمى احتقرت قيمتكم الإنسانية عندما استخدمت أجدادكم ليكونوا أداتها الاستعمارية في المنطقة، وهذا ما فعله بلفور الذي كان يكن كرها لكم غير مسبوق، ومنعكم من اللجوء إلى بريطانيا أيام هروبكم من سائر أنحاء أوروبا، فكل ما فعله بلفور أنه صدر مشكلتكم إلى بلادنا ونجحت بريطانيا الاستعمارية باستخدامكم فعلا.

اليوم يستخدمكم دونالد ترامب ليتمكَّن من تطبيق أجندته الاستعمارية، فهو يرى ذاته إمبراطورًا حاكمًا الآمر الناهي في هذا العالم، ويراكم أداته الأنسب وقبضته الفولاذية لتحقيق أطماعه المادية في المنطقة الأهم من العالم.. فلو كان ترامب يحترمكم ويحبكم لكان ضغط على حكومتكم ودفعها ملزمة لتطبيق اتفاقيات السلام معنا، لكنه كشخص مشبع بالغطرسة الاستعمارية لا يهمه أن نكون وإياكم ضحايا صراع دائم، مستغلا النزعة العنصرية الدموية لدى قادتكم وحاخاماتكم لإدامة هذا الصراع حتى يحقق السيطرة الكاملة على المنطقة التي لن ينوبكم منها إلا العداء، ودورانكم الدائم في مخرطة الحروب.. فآن لكم أن تعلموا أن لا وعد سيدوم على أرضنا إلا الوعد الفلسطيني الحق، وعليكم أن تعلموا أنَّ إصراركم على التبعية العمياء للقوى الاستعمارية القديمة والحديثة، ورضاكم على التعامل معكم وفق نظام (السخرة) لن يحقق وعد السلام الذي ارتضيناه نحن الفلسطينيين كأحرار وأصحاب الحق.. فكل جيوش المستعمرين والمستوطنين المضللين التي غزت بلادنا، ورفعت الوعود الدينية والقومية على بيارقها قد سقطت ورحلت، وهذه دروس استخلصوا العبرة منها والحكمة.

لعلمكم وعلم المنظومة الاستعمارية القديمة والمتجددة فإننا لا نريد من بريطانيا اعترافًا بدولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس كنوع من الاعتذار عن وعد بلفور، وإنَّما لاعتقادنا أنه حق قانوني وطبيعي لشعبنا، فالاعتذار يعني الاعتراف بأن ما فعلته جريمة غير مسبوقة ضد الإنسانية، وهذا مطلب حق ليعرف البريطانيون، ويعرف كل سكان الأرض أي جريمة ارتكبها الاستعماريون الإنجليز قبل مئة عام ويريد الأميركيون وعلى رأسهم البلفوري العنصري ترامب تكرارها.

نحن كفلسطينيين نتطلع إلى اعتذار بريطانيا أولاً، ورؤيتها تمضي في سياسة تؤكد لنا رغبة قادتها بإزالة آثار جريمتها، ونلمس عملها على إعادة حقوقنا التي سلبتها منا وسلمتها للمنظمات الصهيونية الاستعمارية العنصرية.

ربما نجحتم باستغلال جزء عظيم من أرضنا التي سلخها منا المستعمر الانجليزي ومنحكم إيّاها وجعلتموها مرتكزا وقاعدة انطلاق لارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية بسلاح الاحتلال والاستيطان، فأصبحتم صورة مصغرة عن بريطانيا الاستعمارية الظالمة المكروهة من شعوب الدنيا التي ذاقت مرارة وآلام استعمارها، أمّا نحن فآلامنا أشدُّ وأقسى بحرماننا من وطننا، وحقوقنا في الحرية والاستقلال.

لن تظفروا ولن تحققوا أهداف الوعد الثاني، فترامب الذي ظن بقدرته على إرهاب العالم بما يملك من قوة وظفها لسلطان شيطانه فإنه لن يفلح في سلب روح القدس وتقديمها لكم على طبق من ذهب، لأنها بكل بساطة روح الشعب الفلسطيني وجوهر قضيته، وعماد عقيدته وثقافته قلب هويته الوطنية النابض، فهل ذهبتم في ظنكم إلى أنَّنا سنتخلى عن وجودنا.. فهذه المرة نحن المستحيل بعينه.

بقي أن نقول لكم لا تحلموا بتحقق الوعد الثالث لكم، الذي وعدكم به توأمكم (جماعة الاخوان المسلمين) فهؤلاء وعدوكم بأن يكونوا ألغامكم الموقوتة في جبهتنا الداخلية، وان يعملوا على تخريب النسيج الثقافي والاجتماعي، وتكريس مفاهيم العدائية والكراهية والتخوين والتكفير، وقطع صلتنا بالمدنية والحضارة الانسانية، فهؤلاء ورغم نفوذهم المحدود وقدرتهم على تضليل المواطنين وأخذهم إلى دويلة الجماعة على حساب المواطنة والدولة لكل مواطنيها، ورغم انقلابهم على المشروع الوطني، ومساعيهم لتنفيذ وعدهم لكم بتقزيم حركة التحرر الوطنية الفلسطينية إلى مجرد مكتب سياسي يعنى بالمساعدات والخدمات والرواتب، رغم كل ذلك عليكم الآن ان تدركوا انهم لا يستطيعون نزع الشرعية عن وطني فلسطيني واحد، فكيف سينزعونها عن قائد حركة التحرر الوطنية رئيس الشعب الفلسطيني، الذي نفخر انه الرئيس الوحيد في هذا العالم الذي تحداكم وتحدى الاستعماري الجديد ترامب.. فلعبتكم مكشوفة منذ اليوم الأول الذي ولد فيه توأمكم (جماعة الاخوان) وخرج من ذات رحم بريطانيا، الدولة الاستعمارية التي أعطتكم الوعد الأول حتى وان كان بعد مئة وعام من ميلاد وعد بلفور.. فهذا الوعد الثالث والوعد الثاني المسمى صفقة العصر، لن يمرا حتى لو عصرتم صخور جبال بلادنا واستخرجتم منها الحليب.