عقد المجلس المركزي جلسته التاريخية بتاريخ 28/10/2018 بحضور (112) عضواً من أصل (143)، فالجلسة كانت قانونية و شرعية، واعتمدت قرارات تاريخية تتعلق بمصير الشعب الفلسطيني، وقضيه وكفاحه الوطني.

إنعقد المجلس لأن الجلسة مقررة، وضرورية، وتناقش أبعاداً إستراتيجية ترسم واقع ومستقبل الصراع الدائر بين شعبنا والاحتلال.

عُقدت الجلسة رغم تغيُّب حركتي حماس والجهاد اللتين لم تُمثَّلا بشكل رسمي في إطار م.ت.ف رغم الجهود الكبيرة التي بُذلت سابقاً، وبالتالي لهما حرية الاختيار، وإن كانت القيادة الفلسطينية تتمنى حضورهما، خاصة أن حركة حماس شاركت بفعالية في الانتخابات التشريعية، ونجحت لكنها إنقلبت على السلطة الوطنية، وعلى الرئاسة، واختارت وجهةً لم نكن نتمناها لها، لأنَّ ذلك شكَّل جرحاً نازفاً في القلب الفلسطيني لم يتوقف حتى الآن، أي بعد مرور اثني عشر عاماً. أما تغيُّب الاخوة في الجبهة الشعبية والديمقراطية، والمبادرة الشعبية، فقد كان مفاجئاً وهم من فصائل م.ت.ف الأساسية، وكنا نأمل حضورهما خاصة أنهم يعلمون بأن هذه الجلسة تاريخية، ويعلمون أيضاً تفاصيل جدول الأعمال، وهم بصورة القضايا الخطيرة والكبيرة التي سيتم طرحها، وهذا ما أشار إليه الرئيس في خطاباته أكثر من مرة: أننا ذاهبون لإنهاء إلتزامات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة مع دولة الاحتلال، وتعليق الاعتراف بها، ولمصلحة فلسطين وشعبها، واستمرارية نضالنا وصمودنا كان الواجب يتطلب الحضور، والمشاركة، والتعبير عن المواقف داخل قاعة الاجتماعات، وأمام جميع الأعضاء لإغناء الافكار، والنقاش، وبلورة صيغة القرارات.

أما إذا كان الغياب هو من أجل إفشال النصاب القانوني، وتعطيل الجلسة، واستبعاد إلتئام الصف الوطني، وتشويه صورة العمل الوطني، واظهار القيادة بأنها عاجزة عن أخذ القرارات التي ينتظرها شعبنا هي إنهاء الأزمة الداخلية الفلسطينية، وإعادة اللحمة، وتحقيق المصالحة الوطنية التي غابت عن الساحة الوطنية الفلسطينية منذ إنقلاب حركة حماس في 14/6/2007.

وما زال شعبنا بكامله يدفع ثمن الانقسام المدمِّر، أما العدو إلاسرائيلي فهو يبني الآمال والطموحات الكبيرة على إستمرار هذا الانقسام، وهو الأداة التي يراهن عليها في تدمير الساحة الفلسطينية.

المسيرة مستمرة ولن تتوقف، والمصير مشترك، وفي المواقف الصعبة تبرز دائماً الخيارات الايجابية والشجاعة، ونحن لا ننسى عندما إنعقد المجلس الوطني في الجزائر العام 1988 بعد خلافات حادة، عندما وقف الرمز ياسر عرفات رحمةُ الله عليه على المنصة متوسطاً الدكتور جورج حبش رحمه الله، والقائد نايف حواتمه أطال الله عمره، والسواعد مرفوعة، والأيدي متشابكة، والقاعة تهتزُّ من شدة التصفيق تعبيراً عن الوحدة الوطنية، والاصرار على الاستمرار بالانتفاضة الشعبية الأولى التي هندسها، وأشعلها، وقادها الشهيد القائد خليل الوزير أبو جهاد.

إنَّ القرارات التاريخية التي اعتمدها المجلس المركزي في دورته الأخيرة ليست عادية، وهي تحتاج إلى الجهد الجماعي، لأنها تتعلق بمجمل الشعب الفلسطيني، وبكل أماكن تواجده خاصة في الضفة وغزة، والجميع على المحك، لأن الظروف ضاغطة، ومؤلمة، وخطيرة، والخيارات أمامنا محدودة، واذا كانت هناك ظروف حالت دون حضور الفصائل، نأمل أن تكون تلك الظروف المعيقة قد زالت، وأن تكون وحدة الصف هي الهدف الأسمى إكراماً للشهداء، والاسرى، والجرحى.

ولعلً الملاحظة الجوهرية والأهم في هذا السياق هي ضرورة تكتيل الجهود الوطنية المشتركة، لتنفيذ المطالب والقضايا التي سبق التأكيد عليها من الجميع، وهي ما تضمَّنه البيانُ الختامي:

"قرر المجلس المركزي إنهاء إلتزامات منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الوطنية الفلسطينية كافة تجاه إِتفاقاتها مع سلطة الاحتلال ( اسرائيل) وفي مقدمتها تعليق الاعتراف بدولة (إسرائيل) إلى حين إعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية... ووقف التنسيق الامني بأشكاله كافة، والانفكاك الاقتصادي على اعتبار ان المرحلة الانتقالية، وبما فيها آتفاق باريس لم تعد قائمة، وعلى أساس تحديد ركائز وخطوات عملية للاستمرار في عملية الانتقال من مرحلة السلطة، إلى تجسيد استقلال الدولة ذات السيادة... كما أكد المجلس على حقنا في مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل وفقاً للقانون الدولي"

فهل ستختار الفصائلُ المقاطِعة أن نكون يداً بيد في تنفيذ هذه الخيارات والقرارات وهو حملٌ تقيلٌ، وعلى الكل الوطني أن يشارك في تحمُّل أعباء هذه المرحلة الانتقالية والمُكلفة.

ولا يوجد هناك أي مبِّرر لاستمرار المقاطعة، لأنَّ برنامج المواجهة، والتحرك على كافة الأصعدة، يجب أن يكون منسجماً ومنطلِقاً من إستراتيجية واحدة وموحَّدة، تستهدف الاحتلال، ومشاريعه الصهيونية والتهويدية.

فلا مجال إطلاقاً لا للمقاطعة، ولا لاتخاذ موقف المتفرج من الصراع الدائر، والذي يهدد وجودنا، وقضيتنا.

فالصراع سيكون وجهاً لوجه، وفي مختلف الجبهات، والخطة واحدة، والمرجعية واحدة، والتنسيق مركزيٌّ، وغرفة العمليات للتوجيه واحدة لأن الشعب واحدٌ، والوطن واحد، والمصالحة قبل كل شيء لأنها الاولوية، ولأنها الحصن المنيع بوجه العدوان.

واذا كنا نعطي الخيارَ لمن لا يريد الحضور لأسبابه الخاصة، وإن كانت الاسباب غير مقنعة لنا، لكن من غير المنطقي، وغير المسموح إستهداف الرئيس أبو مازن بالتشكيك، والتحريض وكيل الاتهامات، علماً أن سيادة الرئيس بكل ما يمثل هو الضمانة الوطنية، وهو الذي يواجه اليوم صفقة ترامب الصهيونية، وهو الذي يتحدى كلً أركان المؤامرة الاميركية الاسرائيلية، وهو المتمسك بالثوابت الوطنية، وهو الحريص على شعبه وأمنه وحقوقه ومستقبله. آن الأوان أن نصنع نحن قررانا من وحي وفائنا لفلسطين ومقدساتنا، بعيداً عن أية تأثيرات إقليمية أو دولية. فأهل مكة أدرى بشعابها. ولا يحمي كرامتنا، ومستقبلنا إلأ بيتنا الوطني الأصيل