حوار /امل خليفة - خاص/ مجلة القدس العدد 316

ما زالت الساحة السياسية الفلسطينية تعاني من إرباك كبير بسبب ما يقوم به الاحتلال الاسرائيلي من تكتيكات لتقويض الدور السياسي الفلسطيني الـمُطالِب بإنهاء الاحتلال، والظروف الداخلية التي فرضَها الانقسام، ولعلّ أبرزها نيّة الرئيس محمود عباس تغيير حكومة الدكتور رامي الحمدالله. وللاطلاع على تفاصيل الموضوع كان لنا لقاء مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" د.جمال المحيسن الذي أطلعنا كذلك على أهم ملفات المؤتمر السابع لحركة "فتح" وخطة القيادة الفلسطينية لمواجهة المحاربة الاسرائيلية المستمرة لحق الشعب الفلسطيني بنيل حريته.

 

سرَت اخبار عن نية الرئيس محمود عباس إقالة حكومة الحمدالله واستبدالها بحكومة وحدة وطنية، لماذا هذا التغيير؟

الحكومة مازالت على رأس عملها، ولكنها تأسّست بناء على اجتماع تمَّ بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس فيما عُرِف باتفاق الشاطئ في غزة على أساس ان تستلِم الحكومة صلاحياتها في الضفة وغزة، ومن بعدها تُهيَّأ الاجواء من اجل انتخابات رئاسية وتشريعية، لكن وللأسف ما إن باشرت الحكومة عملها حتى تم الاعتداء على وزير الصحة، ومن بعده الاعتداء على وفد رسمي وحجزهم بالفندق، ومنعهم من الذهاب لوزاراتهم، ومنع تنفيذ قرارات الوزراء بإعادة الموظفين القدامى الى وزاراتهم، وبناءً على هذه التصرفات التي حدثت أجد انه لا داعيَ لوجود حكومة غير قادرة على ممارسة صلاحياتها. لهذا تم اقتراح تشكيل حكومة جديدة تكون حكومةَ وحدة وطنية، غير أن حماس وضعت شروطًا صعبة ما زال النقاش جاريًا حولها، والآن نحن بانتظار نتائج الحوار بين فصائل منظمة التحرير برئاسة عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" السيد عزام الاحمد وحماس لنرى عن ماذا ستتمخّض هذه المحادثات، لأن على الحكومة الالتزام بشروط وقواعد منظمة التحرير الفلسطينية

.

هل ما يحدث من ممارسات من قِبَل حماس يحكُم على اتفاق الشاطئ بالفشل؟

شخصيًّا لم اكن مع اتفاق الشاطئ، واعتبرته تثبيتًا لحكم حماس لغزة واقصاء فتح من مشاركتها في الحكم، لأن حماس بقيت تحكم غزة عن طريق وكلاء الوزارات بما يُسمّى حكومة الظل، والسيد اسماعيل هنية عبّر عن ذلك عندما قال: "تركنا الحكومة ولم نترك الحكم"، وهذا ثَبُتَ من خلال تهميش دور الحكومة وبقاء السيطرة بيد حماس. أما في الضفة، فقد تم اقصاء "فتح" من الحكومة والاكتفاء بمجموعة من المستقلّين البعضُ منهم أثبتَ الحضور والبعض الآخر لم يُثبِت، وبالتالي هناك عدد من الوزراء عُيِّنوا بموقع لم يكونوا مناسبين له، في البداية جرى الحديث عن تغيير 5 وزراء اما الآن فالحديث يدور عن تغيير الحكومة كاملةً

.

ما الأفضل برأيك حكومة مستقلين أم حكومة وحدة وطنية من فصائل منظمة التحرير؟

الأفضل حكومة وحدة وطنية، ونحن في مرحلة تحرر وطني في مواجهة تحديات كبيرة، وفي العادة بمثلِ هذه الظروف فإنّ الدول تُشكّل حكومة طوارئ، ولكن ما يجري غير صحيح اي اقصاء التنظيمات والبحث عن مستقلّين فقط، فكل الفصائل لديها كوادر متعلّمة وتحمل شهادات تخصّصية ومعظم كوادرنا أُتيحَ لهم الدراسة والالتحاق بالجامعات اثناء مراحل سابقة. فالكوادر التي وُجِدت في سوريا مثلاً أُتيحَ لها الدراسة في الجامعات وهذا الكلام لا ينفي ضرورة مشاركة بعض الشخصيات المستقلة فمنظمة التحرير كانت تُشكّل من الفصائل والمستقلين والوزارات كانت كذلك أيضًا

.

ما رأيك فيما يقوله البعض من أن قرار إقالة الحكومة رسالة من الرئيس ابو مازن لحماس بأن عليها ان تتعاون مع حكومة الوفاق الوطني؟

الرئيس ابو مازن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وله برنامج وطني واضح وهو التحرر من الاحتلال، ونيل الحرية، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف من النهر الى البحر، وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى بلادهم. وسيادة الرئيس يدرك ان لا وجودَ لدولة بدون غزة، وان الدولة الفلسطينية وحدة واحدة واذا قامت دولة في الضفة فستكون دولة كنتونات مقسّمة، ولهذا نرفض وجود حكومة في الضفة وحكومة في غزة. وعندما طالبَ الرئيس ابو مازن الامم المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطين كان يقصد كل المناطق الفلسطينية وليس منطقة واحدة فقط. طبعًا في اتفاق الدوحة تمّ الاتفاق على ان يكون الرئيس محمود عباس هو رئيس الحكومة ولكن لانشغاله بالمعركة السياسية مع الاحتلال الاسرائيلي كلّف الدكتور رامي الحمد الله بتشكيل حكومة والاشراف عليها، والرئيس حاليًا يخوض اشتباكًا سياسيًا ينجح فيه، ولكنه بحاجة لدعم شعبي من خلال المقاومة الشعبية، وانهاء مظاهر الانقسام. فما فعله الرئيس كان رسالة لحماس بأن تعالوا لنشكّل حكومة وحدة وطنية ونعمل معًا لقيادة الشعب الفلسطيني.

 

ألن تتأثرَ الحكومة في حال كانت حماس جزءًا منها لاعتبارها منظمةً مُعادية من قِبَل اسرائيل وامريكا وينبغي مقاطعتُها؟

اذاكانت حماس ارهابية كما يُقال فلماذا يقوم الجانب الاسرائيلي بإجراء محادثات معها؟! ممكن في القانون الشخصي أن يتم الحكم عليها إن كانت ارهابية أم لا، ولكن نقول للجميع حماس ليست تنظيمًا ارهابيًا، قد تكون لنا بعض الملاحظات عليها لكن لا يجوز الحكم عليها بالارهاب فكيف نصنّف تنظيمًا له بُعدُه الاجتماعي بالارهابي؟! عندما يجتمع خالد مشعل وبلير في قطر فهذا يعني ان حماس ليست ارهابية، بما ان بلير مبعوث من قِبَل امريكا وهو اليوم يلعب كمندوب للولايات المتحدة وتتحكم فيه كما تشاء مع ان هناك بعض التصريحات من المسؤولين في حماس عليها علامات استفهام كقول  الزهار (ما المانع من وجود دولة فلسطينية في غزة تقوم لاحقًا بتحرير باقي الاراضي المحتلة) ولكن لا أعتقد ان اي دولة ستعترض على وجود حماس ضمن حكومة وطنية فلسطينية فالكل لديه علاقات مع حماس.

 

ما رأيك بالمفاوضات التي تحدُث بين اسرائيل وحماس دون الرجوع للرئيس محمود عباس؟

ما يحدث امر خاطئ وعلينا التفكير به جيّدًا. فإسرائيل تتمنّى منذ زمن بعيد لو تستطيع التخلص من غزة، ورئيس الوزراء الاسبق اسحاق رابين قالها اكثر من مرة اتمنّى لو انام واصحوَ لأجدَ البحر ابتلع غزة، لأن مساحة غزة ضيّقة لا تتجاوز 365 كلم2 فيها مليون وثماني مئة الف نسمة، ولا موارد اقتصادية فيها، وبالتالي هي عبء على اي جهة تكون معها، وهنا يبرز المخطّط الاسرائيلي من خلال تشتيت الشعب الفلسطيني بين ضفة وغزة ولاجئين، وهذا يهدد المشروع الوطني، وانه ليس هناك مشروع للدولة الفلسطينية حسب قرار الامم المتحدة عام 1967، بالطبع نتمنّى ان تكون هناك دولة اسلامية لكن اسّسوا دولتكم في الخارج، وتعالوا حررّونا كما فعل صلاح الدين، لكن ان نبقى على قضية ضفة وغزة كلام غير سليم، وبالتالي نحن نؤكّد أننا لن نسمح بقيام دولة في غزة، ونقول لأشقائنا العرب واصدقائنا من الدول الاسلامية لا تتدخّلوا بالشأن الداخلي الفلسطيني ولا تلعبوا بالقضية الفلسطينية ولا تدمّروها. وأشدّدُ على أن اقامة دولة في غزة هو عمل غير وطني، فنحن نريد ميناء ولكن لفلسطين جميعها ونريد مطارًا، وكان عندنا من قبل على زمن الرئيس الراحل ابو عمار وكان لجميع الفلسطينيين، فغزة جزء من فلسطين وعدد كبير من قيادات الثورة هم من غزة لذا شعبنا في غزة لن يسمح بهذا التقسيم.

 

متى سُيقام المؤتمر السابع؟ وما اهم ملفاته؟

هناك قرار من اللجنة المركزية وايضًا من المجلس الثوري أن المؤتمر السابع سيكون في 29/11/2015، واوراق المؤتمر يجب ان تجهز في 1/9 حتى تكون كافة الامور المتعلّقة بالمؤتمر جاهزة لوقت انعقاده، ويجب ان يُعقَد المؤتمر، لأنه في الوضع الطبيعي يُعقَد كل 5 سنوات، فهناك اعضاء كبروا بالسن، وهناك من توفّاهم الله، وهناك اناس وضعهم الصحي لا يسمح، وهناك من له الحق من القيادات الشابة في المشاركة في العملية السياسية، ونأمل ان نستكمل انعقاد مؤتمراتنا في غزة حيث أننا عقدنا مؤتمرًا وبقي ستة مؤتمرات لكن النظّام الداخلي يعالج مثل هذه المشاكل اذا لم يتم عقد باقي المؤتمرات حيث يسمح لنا بتعيين لجان تعيين وهناك معايير ستُراعى عند الانتقاء لكن الاصل هي الانتخابات.

أمّا ما سينُاقش فيبقى موضوع السياسات الاسرائيلية والتي عبّر عنها نتنياهو في برنامجه السياسي في الكنيست انه لا يرغب بدولة فلسطينية من النهر الى البحر، اذًا هذا الموضوع يجب التعامل معه وهذا ما دفع القيادة لإعادة النظر في الاتفاقيات المقامَة مع اسرائيل، ويجب على المؤتمر سحب الاعتراف باسرائيل. فبما انها لا تعترف بدولتنا كما اعترفنا بها سابقًا لماذا علينا التمسُّك باتفاقات ضربَت بها اسرائيل عرض الحائط؟ نحن لدينا شعب يحب قيادته ويطيعها فعندما دعته للمقاومة الشعبية لبّى النداء، واريد ان أؤكد ان المؤتمر السادس لم يُلغِ خيار المقاومة المسلّحة والسابع ايضًا لن يُسقطها بغض النظر أكان خيارًا مناسبًا ام لا لكنه موجود.

 

كيف ترى باب فتح التصاريح من قِبَل الجانب الاسرائيلي في شهر رمضان المبارك للأراضي المحتلة في الداخل؟

نحن لسنا ضد زيارة الاراضي المحتلة، والوضع الطبيعي أن لا يحتاج أي انسان فلسطيني الى تصاريح لزيارة القدس، لكن ضمن الحالة الراهنة أي انسان يزور القدس فهذا ممتاز، وعلى أبناء شعبنا دعم الوجود الفلسطيني في الداخل من خلال الشراء من التُّجار العرب الذين يعانون من الممارسات الاسرائيلية وعدم الذهاب الى اي مؤسسة اسرائيلية رخّصت اسعارها لأن هدفهم هو ضرب الاقتصاد والتاجر الفلسطيني، وسبب رفضنا للتصاريح هذا العام هو طلب اسرائيل من السُّلطة مراقبة الناس في الباصات، والتأكد من أن من يركب الباص يتجاوز الاربعين عامًا، وان نكون مسؤولين أمنيًا عن حركة الباص بالناس، وما يحملون من اغراض، ونحن لا نعمل لدى الجانب الاسرائيلي، ولا ننسّق معه في مواجهة شعبنا، ونحن معنيّون بأن يزيد عدد زوار القدس والمصّلين والمتبضّعين فيها، وان نقاطع البضائع الاسرائيلية وان لا تُعَاد تجربة رمضان الفائت قبل سنتين عندما فُتِح باب التصاريح وذهبَ الناس للشراء من السوق الاسرائيلي بمليارات الشواقل التي تتحوّل الى سلاح ضدنا ودعمٍ للمستوطنين، لذلك هناك فرقٌ عندنا بين ان يزور المواطن الفلسطيني القدس بتنسيق او بالطلب منا، وبين الاشراف على مواطنينا بالتنسيق مع الجانب الاسرائيلي، ويجب على اسرائيل انهاء سياستها العنصرية التي تمنع فيها الناس من الصلاة في القدس والتحكم بمن سيدخل ومن لن يدخل القدس.

 

ما الخيارات المطروحة امام القيادة الفلسطينية في ظل استمرار اسرائيل بالاستيطان ووقوف بعض الدول مثل امريكا في طريقنا؟

داخليًا على القيادة ان تكون حكيمة وان تدرُسَ كافة خياراتها وعلى رأسها تفعيل معركتنا مع الاحتلال على الارض من خلال المقاومة الشعبية ومقاطعة البضائع الاسرائيلية. اما على الصعيد الدولي فيجب تعميق المعركة والاشتباك السياسي، وذلك لقوة موقفنا من خلال ارتكازنا على الشرعية الدولية، ونحن نلاحظ ان الموقف الاسرائيلي آخذ بالضعف والمحاصرة من خلال الشباب الامريكي، وقد شاهدنا في أمريكا المظاهرات المناهِضة للاحتلال وجرائمه، واليوم نرى البرلمانات الاوروبية التي ساعدت اسرائيل في بداياتها تطالب حكوماتها بالاعتراف بدولة فلسطين، وهناك دولٌ اوروبية اعترفت بفلسطين كدولة، وهناك ايضًا دولٌ ستعترف لاحقًا، فنتنياهو لا يختلف عن هتلر وهو شخص نازي توسُّعي وقاتل وهو جزء من الاستيطان، والعالم بدأ يفهم حقيقته وحتى الولايات المتحدة التي بدأت تُحرَج من تصرفات اسرائيل، وللأسف مع كل المواقف التي تتعرّض لها امريكا من اسرائيل إلا انها مُصرّة على دعمها بسبب ضغوط اللّوبي الصهيوني على الكونغرس، والمال الذي يُدفَع، لذا برأيي هناك شعبَان ما زالا مُحتلّين من اسرائيل في هذا العالم وهما الشعب الفلسطيني والشعب الامريكي أيضًا.