خاص مجلة "القدس" العدد 347 أيّار 2018 / حوار: عدي غزاوي

في حين نجحَت القيادة الفلسطينية في عقدِ دورة المجلس الوطني رغم المحاولات العديدة لإفشال ذلك، فإنَّ سبعة عقودٍ من معاناة الشعب الفلسطيني غير المسبوقة تُوِّجَت هذا العام بنكبةٍ جديدةٍ إثر ارتقاء أكثر من 60 شهيدًا في غزّة خلال تظاهرات سلمية عند حدود القطاع استنكارًا لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والمساعي الصهيوأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية وملف اللاجئين، فيما تُراوح المصالحة مكانها حتى اليوم. وللوقوف على أهمِّ التحديات التي تعترض قضيّتنا ومشروعنا الوطني، كان لمجلّة "القدس" هذا الحوار مع نائب رئيس حركة "فتح" عضو اللجنة المركزيّة للحركة محمود العالول.

واقع ومستقبل القضية الفلسطينية في سبعينيّة النكبة

تزامنت ذكرى النكبة مع ارتقاء نحو 64 شهيدًا في غزّة، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتصريحات سابقة لترامب استهدفت حق العودة، فما هي قراءتكم لمستقبل شعبنا وقضيّتنا في خضم هذه التحدّيات؟ وما هو موقف القيادة الفلسطينية؟
بدايةً أُقدِّم أسمى آيات التعازي بِاسمي وبِاسم حركة "فتح" لعائلات الشهداء الأبرار الذين ارتقوا في غزّة على طريق الحريّة والاستقلال وتمسُّكًا بحقِّهم في العودة، ونرجو الشفاء التام والعاجل للجرحى.
إنَّ شعبنا الفلسطيني اليوم يتعرَّض لمجزرة فادحة على يد الاحتلال الصهيوني الذي استهلَّ جريمتَهُ بإجراءاتٍ قبل نحو 5 أيام من حلول ذكرى النكبة خشية أيِّ ردّ فعلٍ فلسطيني شعبي إزاء نقل السفارة الأمريكية، حيثُ شَرَعَ باعتقال المُصلّين وحُرّاس المسجد الأقصى في القدس والاعتداء عليهم، ليُكمل جريمته بارتكاب المذبحة في قطاع غزّة، والتي راح ضحيَّتها أكثر من 60 شهيدًا.
وبرأيي ستكون المرحلة القادمة صعبةً جدًا على الشعب الفلسطيني، فالفلسطينيون وحدَهم الآن في مواجهة التحديات كافّةً سواء أكان لجهة العدوان الإسرائيلي أو المشروع الإسرائيلي الأمريكي المشترَك، لتصفية القضية الفلسطينية. وما السفارة الأمريكية التي افتُتِحَت في القدس إلّا بؤرة استيطانية جديدة في عاصمتنا المقدّسة كما قال السيّد الرئيس محمود عبّاس مؤكِّدًا بشكل قاطع أنَّ الإدارة الأمريكية أصبحت شريكةً في العدوان على الفلسطينيين وليست فقط منحازة، فقد جسَّدت هذه الخطوة اعتداءً سافرًا على الحقِّ الفلسطيني، وضربًا لمشروع حل الدولتين. وحقيقةً ليس ترامب وحده وإنَّما جميع الإدارات الأمريكية حاولت إجهاض حق العودة، وإن كان هو قد أخذ مسارًا مُغاليًا في معاداة الشعب الفلسطيني، ولكن ليُصرِّح بما يريد، وليحاولوا ما شاؤوا، فستخيب مساعيهم. صحيح أنَّهم قد يستطيعون بقوَّتهم صناعةَ بعض الوقائع على الأرض، ولكنَّهم لن يتمكَّنوا من احتلال إرادتنا، فالشعب الفلسطيني متمسِّكٌ بثوابته، وهو يزداد تمسُّكًا بحقّه في العودة جيلاً بعد جيل.
أمَّا قيادتنا الفلسطينية فهي متمسِّكةٌ بثوابتنا الأساسية القائمة على مصالح الشعب الفلسطيني، والمؤكَّدة في كلِّ دورات المجلس الوطني السابقة، وهي إقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين حسب القرار 194، وإزالة الاستيطان. وقد اتَّخذت القيادة الفلسطينية خلال اجتماعها منذ بضعة أيام قرارات واضحة بالإحالة النهائية لعدّة قضايا إلى محكمة الجنايات الدولية خاصّةً فيما يتعلَّق بالمستوطنات، وكذلك الانضمام إلى منظَّمات دولية كانت تعتبرها الإدارة الأمريكية محظورةً علينا، وستستخدم السلطة الفلسطينية كلَّ الأدوات القانونية والمتَّبعة للتوجه نحو المجتمع الدولي، ونحن وشعبنا سنُواصل قيادة المقاومة الشعبية السِّلمية التي اعتبرناها خيارنا في هذه المرحلة، وقد أجمعَ عليها الكلُّ الفلسطيني، لكن أنتم تشاهدون ردودَ الفعل الإسرائيلية الإجرامية تجاه المقاومة الشعبية السِّلمية، وهذا واقعيًّا يجعلنا غير قادرين على الحفاظ على سلميّتها.


طردَت تركيا السفير الصهيوني لديها، واستدعت جنوب افريقيا سفيرها في (إسرائيل) ردًّا على مجزرة الاحتلال في غزّة، ما هو الردّ العربي المتوقَّع؟ وبرأيكم أين هي القضية الفلسطينية اليوم في سلَّم اهتمامات الدول العربية؟
نقول شكرًا لتركيا ولجنوب افريقيا، ولو كان العرب في صدد فعل شيء لفعلوا. نحن الآن نصرخ "يا وَحْدَنا"كما كان يصرخ الرئيس الشهيد ياسر عرفات، فصحيح أنَّ الكثير من الشعوب العربية تدعم شعبنا الفلسطيني وتؤيِّد حقوقه، ولكنَّ أولويّات الأنظمة العربية تغيَّرت إلى درجة كبيرة للغاية، إذ لم تَعُد القضية الفلسطينية جزءًا من هذه الأولويّات نتيجة غرقها في الصراعات الداخلية والإقليمية. وأمام كلِّ ما يجري في القدس وقطاع غزّة نقول لهم: هل المقدّسات للشعب الفلسطيني فقط أم للأمّة جمعاء؟ هل تخلَّيتم عن مسؤوليّاتكم؟! نستصرخكم اليوم، ماذا أنتم فاعلون بالسفارات الإسرائيلية والأمريكية في بلدانكم؟!
ومع ذلك أُؤكِّد أنَّه مهما حصل، سواء أكُنّا وحدنا أو وقَف إلى جانبنا من يُساندنا، قرارنا ثابتٌ بأنَّنا سنبقى موجودين على هذه الأرض، ومُتمسِّكين بثوابتنا الفلسطينية والأهداف الـمُجمَع عليها فلسطينيًّا، وسنُدافع عنها بكلِّ ما أوتينا.

انعقاد الدورة الـ23 للمجلس الوطني

برأيكم ما الأهميّة التي اكتسبها عقدُ المجلس الوطني في هذه المرحلة تحديدًا؟
إنَّ عقد المجلس الوطني في هذه المرحلة بالذات كان أمرًا مُهمًّا جدًّا، لأنَّ أطرافًا عديدةً كانت ترفض فكرة عقده من حيثُ المبدأ، أي بصرف النظر عن المخرجات والنتائج، وذلك خدمةً للخطة الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية على كلِّ الأصعدة، وجزء منها إزالة القدس عن طاولة المفاوضات، وشطب حق عودة اللاجئين، وإنهاء وجود ممثِّل شرعي للشعب الفلسطيني. ومن الواضح أنَّ وجود "م.ت.ف" كممثِّلٍ شرعيٍّ ووحيدٍ للشعب الفلسطيني سبَّب صداعًا كبيرًا للاحتلال الإسرائيلي ولأطراف عديدة، وبالتالي أصبح مطلوبًا إنهاؤها. وخلال السنوات الماضية كُنا نواجه "سياسة التأجيل" كلّما آن أوان استحقاقٍ وطنيٍّ، إذ كانوا يقولون في البداية (انتظروا إلى أن يُعقَد المجلس الوطني)، ثُم (أجِّلُوا عقدَ المجلس الوطني إلى أن توافق "حماس" على الانضمام)، وهكذا، والغاية من ذلك بالطبع هي وصول المنظمة إلى وضع الإنهيار، وبعض الواهمين ظنوا أنَّ بِوسعِهم تشكيل بديل عن "م.ت.ف"، ولكنَّهم فشلوا، لأنَّ العالم يرفض هكذا فكرة بالمطلَق، لذلك فإنَّ نجاح عقد المجلس الوطني إنجازٌ في هذه المرحلة، فقد جدَّدنا الشرعية وأُطُر "م.ت.ف"، وصدرَت عن المجلس العديد من المخرجات المتعلِّقة بالأحداث السياسية الحالية، والتي تتناسب مع طبيعة التحديات، وهي التأكيد على قرارات المجالس المركزية التي سبقت المجلس الحالي، وقد شُكِّلت لجنةٌ لمتابعة تطبيق هذه القرارات.


ما تعليقكم على قول البعض إنَّ "فتح" تُسيطر على "م.ت.ف" وتُعاقِب كلَّ مَن يُعارضها؟
هذه أصواتٌ مُضلِّلةٌ بكِّل تأكيد، فحركة "فتح" حريصةٌ جدًّا على الشراكة والتعدُّديّة، وأثناء الإعداد لقائمة المجلس الوطني كان لدينا هاجس أساسي بخصوص النصاب السياسي والنصاب القانوني، خاصّةً مع رفض بعض الأطراف عقد المجلس، إذ لا يمكن عقدُ مجلسٍ وطنيٍّ بدون نصاب سياسي، وقد أبدينا أشدَّ الحرص على الشراكة ومكوّنات "م.ت.ف"، حتى أنَّنا خلال الحوار مع الجبهة الشعبية اختلفنا حول بعض المسائل، ولكنَّنا اتّفقنا على تنظيم الخلاف، فالجبهة الشعبية لم تحضر المجلس، لكنَّها لم تغادر "م.ت.ف"، وهي ما زالت تؤكِّدُ أنَّ "م.ت.ف" هي الممثِّل الشرعي والوحيد لشعبنا، وتلتزمُ بكلِّ قراراتها التي تتقاطع مع توجهات الجبهة الشعبية.

مصير المصالحة الوطنية الفلسطينية

ما هو مستقبل المصالحة بعد محاولة اغتيال رئيسَي الوزراء وجهاز المخابرات الفلسطينية العامّة؟
مضى أكثرُ من أحد عشر عامًا على الانقسام، وتكمنُ خطورةُ الأمر في أنَّ البعض يكادُ يعتادُ على فكرة وجود الانقسام! وقد بادَرَ الاخوة المصريون لاستئناف الجهود والخطوات لتحقيق المصالحة، ووَفْقَ السياق السابق نفسه، وبدورنا بذلنا الجهود وتابعنا ذلك إلى أن وقعت محاولة الاغتيال لنكتشف أنَّ موضوع الدعوة إلى إنهاء الانقسام لا نتيجة منه بالأسلوب الحالي. فنحنُ لم نجنِ شيئًا من الاجتماعات، لذلك قرَّرنا تغيير السياق من خلال جملةَ الرئيس (إمَّا أن تُدير "حماس" حياة الناس ما دامت هي المسيطرة على غزّة أو أن تُسلِّم القطاع للسلطة الفلسطينية لتُدير حياة الناس)، وذلك لأنَّنا لا نستطيع ترك قطاع غزّة يذهب إلى الهاوية. والمذبحة التي حصَلت على حدود غزّة تُجدِّد نداء الوحدة الذي أكَّده الرئيس محمود عبّاس، وعلى "حماس" الاستجابة لهذا النداء، فدماء الشهداء تستدعي منّا أن نتوحَّد لمواجهة التحدّيات والمشاريع الهادفة لتصفية قضيّتنا ولحماية أبناء شعبنا.