بقلم: فاطمة المجذوب|

عندما نذكر اسمه نتذكّر أنه القائد المعلم الرمز والقائد المؤسس وأوّل الرصاص وأوّل الحجارة وقائد الانتفاضة وروحها الباقية، نتذكّر أنه رفيق البندقيّة، ومن قدّم نفسه وخاطر بِعائلته من أجلِ القضيّة الفلسطينيّة. هو أحد أهمّ مؤسّسي حركة "فتح" والابن البار للثورة الفلسطينيّة، فقد ارتبط بالثورة وارتبطت هي به، هو من رسم طريقًا في التعامل مع العدو ثبُتَ بالأدلة أنّه الطريق الأكثر شجاعة. إنَّه السياسيّ الفلسطينيّ المرموق والذي جسّد حُسن التضحية من أجل الوطن، إنه رجل الحوار والحكمة وواحد من أهم القيادات المؤسّسة لحركة "فتح" وجناحها المسلّح خليل إبراهيم محمود الوزير والمعروف باسم "أبو جهاد".

رجل الحرب..

كان أبو جهاد الوزير رجل المهمات الصعبة، ومن أشدِّ الأشخاص رعبًا بِالنسبة للعدو الصهيونيّ، فكان يعتمد استراتيجية السّلاح كشكلٍ أساسيٍّ بِوجهِ العدو، ولكنّ روح الثورة والشغف للانتقام من الصهاينة لم تأتِ من فراغ في قلب "أبو جهاد"، بل جاءت بعد حادثة أليمة تعرّض لها إثر عام 1948 عندما هُجّر مع عائلته من مدينة الرملة إلى مدينة غزة، فعلقت في مُخيلته الصورة المأساوية لخروج اهله من الرملة والجثث التي كانت مندثرة على الأرض. وعقب خروجهم أعطته والدته صرة مليئة بالخبز له ولإخوته، وعند وصولهم إلى الحافلات أمر الجندي الصهيونيّ برمي كل الاغراض التي كانت بحوزة المهجرين، وعندما صعد الوزير إلى الحافلة غافلَ الجندي ونزل ليسترجع صرته، ولكن الجندي انتبه اليه، فصوَّب سلاحه بِاتجاهه، الأمر الذي دفع والدة الوزير لتركض نحوه وتحضنه لكي تحميه من رصاص العدوّ، ولم تكد تمضي لحظات حتى أصابت الرصاصة صديقه، الأمر الذي زرع بقلب الوزير صدمة كبيرة ودافعًا قويًّا لمحاربة العدو والثأر منه.

ما بين الكتاب والسلاح

هو من أبرز القادة الذين نجحوا في اثبات أنفسهم وتركوا بصمة واضحة في التاريخ، فقد نجح وبشدة في تأسيس وتطوير نهج محاربة العدو محليًا وإقليميًا والاستمرارية في هذا النهج لا تزال مستمرة حتى اليوم، ولكن "أبو جهاد" لم يثبت نفسه في الثورة والعمل النضالي فقط، بل كان مُحبًّا للعلم والكتاب وكان حريصًا على تدوين وقائع أغلب المؤتمرات الوطنيّة الفلسطينيّة والاحتفاظ بها في تلك الحقبة، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقد كان له خصوصيّة في تدوين يومياته عبر تسجيله لِكل لقاءاته وملاحظاته اليومية، بل إنه أيضًا كان يحتفظ بمجموعة نادرة من الوثائق التاريخية للعمل التنظيميّ الفلسطيني منذ عام 1954، ومذكرات بعض القادة الفلسطينيين كمذكرات الشهيد كمال عدوان، وأرشيف لتفاصيل التجربة العسكريّة، ووثائق العلاقة مع معظم حركات التحرر العالمية التي أشرف "أبو جهاد" على الاتصال بها ودعمها ومساندتها على مدار 20 سنة والكثير غيرها.

بالإضافة إلى كل ما سبق، كان "أبو جهاد" عاشقًا للكتابة فقد لازمته منذ أن كان شبلاً في الثانية عشرة من عمره، كماكانت آلة التصوير أول الأشياء التي اقتناها وذلك من مصروفه الشخصيّ نظرًا لأنّ وضعه الأُسريّ والاقتصاديّ لم يكن يسمح لِذويه بتأمين كل شيء له، كان يحمل آلة التصوير إلى المخيّمات وهذا ما يدل على اهتمامه المبكّر بقضية أبناء شعبه.

ومع بروز شخصيته القيادية انتُخب رئيسًا لاتحاد طلبة مدرسة فلسطين الثانوية في قطاع غزة، حيث عمل من خلال موقعه على توسيع شبكة علاقاته داخل إطار المدرسة وخارجها، واستمر في تحرير المقالات السياسية لمجلات الحائط بالاضافة إلى التقاط الصور.

وعندما أصبح "أبو جهاد" سياسيًّا فلسطينيًّا ومسؤولًا عن منصب قياديّ، بقي مهتمًا بِالكتابة، وإصدار النشرات السياسيّة، وكتابة المحاضرات والبيانات والبرامج السياسيّة، فقد أسهم في تأسيس "نشرة صوت العاصفة" التي كانت تنطق باسم القيادة العامة لقوات "العاصفة" الجناح العسكريّ لحركة "فتح"، ثُم أسس مجلة "فلسطين المحتلة" التي كانت المصدر الإعلاميّ الأساسيّ لمتابعة الاوضاع داخل فلسطين المحتلة، كما أسس أول مجلة عسكريّة حملت اسم "المعركة" ، وكان قد أسس قبلها أول قسم خاص بالمعلومات عن الكيان الصهيونيّ.

أبرز العمليات التي خطط لها أبو جهاد الوزير

عمليّة نسف خزان زوهر في قطاع غزة عام 1955

عمليّة نسف خط انابيب المياه (نفق عيلبون) عام 1965

عمليّة فندق (سافوي) في تل ابيب و قتل 10 صهاينة عام 1975

عمليّة انفجار الشاحنة المفخخة في القدس عام 1975

عمليّة قتل البرت ليفي كبير خبراء المتفجرات و مساعده في نابلس عام 1976

عمليّة دلال المغربي التي قتل فيها اكثر من 37 صهيونيا عام 1978

عمليّة قصف ميناء ايلات عام 1979

قصف المستوطنات الشماليّة بالكاتيوشا عام 1981

أسر 8 جنود صهاينة في لبنان ومبادلتهم ب 5000 معتقل لبنانيّ وفلسطينيّ و100 من معتقلي الارض المحتلة عام 1982

اقتحام وتفجير مقر الحاكم العسكري الصهيوني في صور وادت إلى مصرع 76 ضابط وجندي بينهم 12 ضابطا يحملون رتبا رفيعة عام 1982

ادارة حرب الاستنزاف من 1982 إلى 1984 في جنوب لبنان

عمليّة مفاعل ديمونة عام 1988 والتي كانت السبب الرئيسي لاغتياله

من الولادة حتى الشّهادة

ينحدر "أبو جهاد" من مدينة الرملة شمال غرب القدس المحتلة، والتي هُجِّر منها إلى غزة عام 1948. كان مُحبًا للقضيّة منذ طفولته، تعلم وناضل في آنٍ واحد، وهو من مؤسّسي حركة "فتح"، والرجل الثاني فيها بعد الشّهيد الرمز ياسر عرفات. عاش "أبو جهاد" في غزة حتى إنهائه المرحلة الثانوية،ومن ثُم انتقل إلى مصر ليدرس في جامعة الإسكندرية، وهناك تعرّف على الرئيس الشّهيد ياسر عرفات، ومن بعدها انتقل إلى السعودية فأقام فيها أقل من عام، ومن السعودية توجّه إلى الكويت، حيث ظل هناك حتى عام 1963، وشارك هو وأبو عمار والعديد من القادة في تأسيس حركة "فتح"، وكان أبو جهاد قد شقّ طريقه في صفوف الثورة إلى جانب العديد من القادة وعلى رأسهم الشهيد ياسر عرفات في الكويت، حيثُ تولّى الوزير مسؤولية العمليات في الأراضي المحتلة في عام 1963، من ثم غادر الكويت إلى الجزائر حيث سمحت السلطات الجزائرية بافتتاح أول مكتب لحركة "فتح"، وتولّى مسؤولية ذلك المكتب، وحصل خلال هذه المدة على إذن من السلطات بالسماح لكوادر الحركة بالاشتراك في دورات عسكرية وإقامة معسكر تدريب للفلسطينيين الموجودين على أرض الجزائر.

وفي عام 1965 غادر الجزائر إلى دمشق حيث أقام مقر القيادة العسكرية، وكُلِّفَ بالعلاقات مع الخلايا الفدائية داخل فلسطين، كما شارك في حرب 1967 ووجه عمليات عسكرية ضد الجيش الصهيوني في منطقة الجليل الأعلى.

وقد تولّى بعد ذلك المسؤولية عن القطاع الغربي في حركة "فتح"، وهو القطاع الذي كان يُدير العمليات في الأراضي المحتلة. وخلال توليه قيادة هذا القطاع في الفترة من 1976 و 1982 عكف على تطوير القدرات القتالية لقوات الثورة، كما كان له دور بارز في قيادة معركة الصمود في بيروت عام 1982م والتي استمرت 88 يومًا خلال مهاجمة العدو الصهيوني للبنان.

استمر "أبو جهاد" بالنضال والمدافعة عن القضية الفلسطينية حتى الرمق الأخير، وكأي مناضل جسّد الوزير حالة رعب للكيان الصهيوني حتى باتَ كابوسًا يقض مضاجعهم في كل ثانية، فقد أصبح هدفهم التخلص منه مهما كان الثمن. وفي الليلة الظلماء 16/4/1988 نفّذت عصابات الغدر الصهيونية بعملية اغتيال جبانة، حيثُ تم إنزال 20 عنصرًا مدرّبًا من عصابات الإجرام الصهيوني من أربع سفن وغواصتين وزوارق مطاطية وطائرتين عموديتين للمساندة على شاطئ الرواد قرب ميناء قرطاجة في تونس، وبعد مجيء الوزير إلى منزله كانت اتصالات عملاء الموساد على الأرض تنقل الأخبار، فتوجهت هذه القوة الكبيرة إلى منزله فقتلوا الحراس وتوجهوا إلى غرفته، فلَّما شعر بالضجة في المنزل رفع مسدسه ووضع يده على الزناد لكن رصاصات الغدر الصهيونية كانت أسرع إلى جسده، فاستقرَّت به نحو سبعين رصاصة، هي رصاصات غدر اخترقت قلب كل فلسطيني مناضل، فقد خسرت القضية الفلسطينية اكثر من كرّس حياته وعائلته من أجلها.

رحل أبو جهاد الوزير قبل أن يكحّل عينيه بتراب الوطن مُحرّرًا، فقد خسرت الأمة العربية قائدًا بحجم الوطن، قائدًا عبقريًّا ورمزًا للوحدة الوطنية، والروح للقضية الفلسطينية، ولكن سنبقى "رأسنا في السماء، وأقدامنا مغروسة في تراب وطننا، جماجمنا نُعَبِّدُ بها طريق النصر والعودة الأكيدة، البوصلة لن تخطئ الطريق، ستظل تشير إلى فلسطين". كما أوصانا وعاهدنا أبو جهاد رحمه الله.