خاص مجلة القدس/ الاصدار السنوي 344 كانون الثاني 2018

يُعدُّ العام 2017 عامَ الاستيطان الأفضل بالنسبة لإسرائيل منذ احتلالها الأراضي الفلسطينية، إذ تعكس الأرقام والوقائع تضاعفَ نسبة المصادقة على بناءِ وحداتٍ استيطانيةٍ جديدةٍ 4 مرات مقارنةً بالعام الماضي، وازدياد عدد الأراضي المصادَرة من أصحابها. وللاطلاع على واقع الاستيطان والخطورة التي يُجسِّدها، والسُّبُل المنتهَجة لمواجهته، أجرينا الحوار التالي مع رئيس "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان" الوزير وليد عسَّاف.

كيف تُقيِّمون واقع الاستيطان في العام 2017؟
العام 2017 هو الأسوأ بالنسبة لموضوع الاستيطان لثلاثة عوامل؛ أولها: وصول الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب الذي منح هو ومستشاروه العنصريون الضوء الأخضر للاستيطان؛ وثانيها: أنَّ اليمين الإسرائيلي المتطرِّف الذي بات يُمسِك بكلِّ مرافق الحكومة ومرافق الدولة المختلفة في (إسرائيل) -بما فيها الإدارة المدنية والجيش ومجلس التنظيم الأعلى في المناطق (ج)- هو الذي بدأ يُقرِّر في الكنيست عبر سنِّ قوانين لصالح الاستيطان، مثل قانون التسوية وقانون بلدية القدس الكبرى، وجميع القوانين التي تخدم الأهداف الاستيطانية. أمَّا الاعتبار الثالث، فهو ضعف الموقف العربي بسبب الثورات التي نشبت في الدول العربية، وأفقدت القرار العربي وزنه سياسيًّا وعالميًّا.
وبالتالي شهدَ العام 2017 إقرارَ أكبر عددٍ من الوحدات الاستيطانية، إذ تمَّ تقديمُ أكثر من 16,000 مخطَّطًا لمشاريع استيطانية هذا العام، أي بنسبة 400% ممَّا أُقرَّ في العام الماضي، ويُعدُّ الرقم الأكبر منذُ توقيع اتفاق أوسلو إلى اليوم، علمًا أنَّه خلال فترة أوسلو حدثت هجرة اليهود الشرقيين إبان انهيار الاتحاد السوفيتي، وقد شهدت تلك الفترة بناء أكبر عددٍ من الوحدات الاستيطانية إلى أن جاء عام 2017. والأخطر في الأمر، أنَّها المرة الأولى التي تُسَنُّ فيها قوانين من الكنيست الإسرائيلي بما يخصُّ المصالح الفلسطينية، إذ كانت الأمور في السابق تتمُّ من خلال أوامر عسكرية تُطبَّق في الأراضي الفلسطينية. أمَّا الآن فسنُّ القوانين يعني أنَّ (إسرائيل) تتعامل مع الأراضي الفلسطينية على أنهَّا أراضٍ إسرائيلية، في حين أنَّ القانون الدولي لا يُجيز لدولةٍ تحتلُّ دولةً أن تُطبِّق قوانينها عليها، ولكن حكومة المستوطنين الحالية تعتقد أنَّ هذه الفرصة لن تتكرَّر بسبب توفُّر مناخ دولي وحماية أمريكية مُطلَقة، كما أنَّ الضعف العربي الكبير والانقسام الفلسطيني ساعدا اليمين المتطرِّف بالانقضاض على الأراضي الفلسطينية وتكثيف الاستيطان فيها. وقد طلبت الحكومة اليمينية من نتنياهو تسليمَ المستوطنين والأحزاب اليمينية كلَّ الملفات التي تتعلَّق بالأراضي الفلسطينية ليبدأَ مخطَّطُهم، فحتى قائد الجيش في المنطقة الوسطى هو مستوطن، والإدارة المدنية أيضًا، وجميع المؤسسات التي تختص بالتعامل مع السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وتتبع لصلاحيات الاحتلال يتولّى إدارتها مستوطنون. وعلينا ألّا ننسى أهمَّ خطوة من خطوات بدء سيطرة المستوطنين على مجال الاستيطان، وهي تسليم وزير الزراعة الإسرائيلي، وهو مستوطن، شؤون الاستيطان بدلاً من وزارة الإسكان، ليتحكَّم بنفسه بالوحدات الاستيطانية، حيثُ خصَّص لوحدة الاستيطان الجديدة في وزارته ميزانية 500 مليون شيكل، ولكنَّ الوزارة أنفقت مبلغ 900 مليون! وكلُّ هذا الإنفاق على الاستيطان خارج إطار الرقابة من قِبَل وزارة الدولة في (إسرائيل)، حيثُ أنَّ الرقابة رُفِعَت هذا العام لإطلاق يد المستوطنين ليُمارسوا أعمالهم السوداء ضدَّ الفلسطينيين، كتمويل تنظيمات المستوطنين الإرهابية، بما فيه تمويل الهجوم على القرى الفلسطينية وعمليات السيطرة على الأراضي الفلسطينية ليستثمرها المستوطنون، وكلُّ هذه المبالغ التي ذُكِرَت لا تُمثِّل شيئًا من المبالغ الأصلية، لأنّ كل وزارة إسرائيلية لها ميزانية خاصّة بالاستيطان عوضًا عن مبلغ مليار وتسعمائة ألف شيكل خصَّصتها (إسرائيل) مؤخَّرًا بشكل طارئ للاستيطان تحت إشراف الدولة للبنى التحتية وإنشاء المباني وغيرها.

ما هي أهم القوانين التي أصدرتها (إسرائيل) لتسهيل عملية الاستيطان؟
عندما احتلَّت (إسرائيل) الأراضي الفلسطينية عام 1967 أصدرت مجموعةً من القرارات، ومنها مصادرة أملاك الغائبين، بالأوامر العسكرية طبعًا، لتنقل الملكية إلى ما يُسمَّى "حارس أملاك الغائبين"، لوضعها تحت سلطة (إسرائيل). كما أصدرت 3 أوامر عسكرية تختصّ بمياه الضفة والتحكم بحفر الآبار، إذ يُمنَع حفر بئر في المناطق المصنَّفة (ج) بدون موافقة الإسرائيليين في الضفة، إضافةً لقانون مجلس التنظيم الأعلى، والذي يتحدَّث عن تحديد عمليات البناء في الضفة، ويسمح لهم بهدم الأبنية كما يشاؤون بدعوى أنَّها غير مرخَّصة من قِبَلهم في مناطق نفوذهم. وبموجب القانون الأخير، يعتزمون هدم 150 تجمُّعًا سكنيًّا فلسطينيًّا لاستخدامها لبناء المستوطنات، وأوضح مثال على ذلك هو منطقة (E1)، وهو مشروع يهدف لتهجير البدو من المناطق المحيطة بالقدس لبناء مستوطنات فيها من أجل استكمال مخطَّط القدس الكبرى. وفي هذه المنطقة توجد 5 تجمُّعاتٍ مهدَّدةٍ بالهدم وترحيل سكانها. كذلك أقدمت (إسرائيل) على تعديل قانون الشركات، فتمَّ السماح للمستوطنين بتأسيس شركات في الضفة الغربية، ليتم ترخيص 500 شركة تعمل في تسريب الأراضي وبيعها بطُرُقٍ غير قانونية بدون موافقة أصحابها بل وبدون علمهم حتى أحيانًا، وقد ساهمت هذه القوانين في انتشار الاستيطان وحمايته. ولكنَّ أخطرها فعليًّا هو قانون تسوية الأراضي الصادر العام 2017، وهو قانونٌ يُتيح للدولة والجيش الإسرائيلي سلبَ مُلكيّة أرضٍ لمواطن فلسطيني ومنحها لمستوطن بدعوى خدمة المصلحة العامّة وأنَّ الأرض ستُستَخدَم لبناء منشأة سكنية أو تجارية أو صناعية أو سياحية. ونتيجة هذا القانون، فإنَّ أيَّ مستوطن يمكنه اليوم السيطرة على الأرض وتملُّكها بقوة السلاح وبدعم الجيش والتنظيمات الإرهابية الاستيطانية، وهذا ما يحدث في القدس منذ زمن بعيد، حيثُ يطرد المستوطنون أصحاب البيوت، ويستولون عليها، وهذا القانون يعد الأسوأ منذ بداية احتلال فلسطين، وهو غير موجود في أيِّ مكان في العالم إلا لدى (إسرائيل)، ويُطبَّق فقط على الفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، علينا ألّا ننسى قانون القدس الكبرى، والذي سيُخرِج مئات آلاف الفلسطينيين من القدس، ويضم مستوطنات تبعد نحو 20كم عن القدس إلى حدودها، وهو قانون عنصري يتعامل على أساس ديني وعرقي، بهدف تغيير شكل المدينة الديموغرافي. والسؤال هنا: على أيِّ أساس سيتمُّ اعتبارُ مخيَّم شعفاط، الواقع داخل القدس، منطقةً لا تتبع للقدس بينما المستوطنات الأبعد تعدُّ ضمن حدودها؟! إذا أخضعنا هذا القانون للمعايير العالمية لتخطيط المدن فلن ينطبق إلا في (إسرائيل)، فكيف يريدون تطبيقه ومعظم السكان فلسطينيون؟! لو أخذنا دائرةً قُطرها نصف كم، ستكون أغلبية سكان القدس من الفلسطينيين، وإذا اتّسعت الدائرة لقطر 5كم، فستدخل ضمنها قرى وبلدات مثل السواحرة، والعيزرية، وأبو ديس، وشعفاط، وسكانها من الفلسطينيين، وبالتالي أكثر من 50% من سكان هذه المناطق فلسطينيون، وإذا اتّسعت إلى 10كم، فستدخل ضمنها مدن بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور قبل أن تدخل مستوطنة معالي أدوميم التي ينوون ضمَّها لحدود بلدية القدس، وهنا ستبقى الأغلبية أيضًا فلسطينية في مدينة القدس، لذا على الاحتلال أن يعلم أنه قد يستطيع الادعاء بأنَّ القدس (إسرائيلية) على الورق، ولكن الأمر مخالف لذلك واقعيًّا، وهذا ما يؤكِّده الفلسطينيون بصمودهم على أرضهم.
ما هي أبرزُ أشكال الاعتداءات الإسرائيلية على القرى والبلدات الفلسطينية في العام 2017؟
لقد أخذت الاعتداءات الإسرائيلية في العام 2017 منهجَين. الأول، وهو المنهج السائد قديمًا، يتمثَّل باعتداء المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين، واعتداءات الجيش على السكان ومنازلهم، ووضع اليد على الأراضي. أمَّا المنهج الثاني، فهو المنهج الجديد، وتَمثَّل ببدء هدم وإزالة تجمّعات فلسطينية بكاملها، عوضًا عن الاكتفاء بهدم بضعة منازل في كلِّ تجمع كما اعتادوا في السابق. ففي منطقة جبل البابا مثلاً، هناك قرار بإزالة التجمُّع بأكمله، وهذا ينطبق على العديد من المناطق، والآن نحن في مرحلة جديدة من التهجير القسري والتطهير العرقي الممنهَج لإحلال المستوطنين مكان السكان الأصليين، وهنا لا بدَّ من الإشادة بوعي الفلسطينيين لهذه المخاطر، وسعيهم لمنعها، فحقُّ الدفاع عن النفس كفله القانون الدولي، وحتى إن لم يكفله، فقد شرَّعه لنا الله. ومن هنا، تشكَّلت لجان لحراسة القرى والبلدات المحاذية للمستوطنات، ليدافع الأهالي عن أنفسهم من اعتداءات المستوطنين، لا سيما أنَّنا الآن في مرحلة اختبار في هذا الوضع الصعب مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمةً لـ(إسرائيل).

كيف تعملون على التصدي للاستيطان والدفاع عن الأراضي الفلسطينية وسكانها؟
الاستيطان يُمثِّل رأس الحربة في المشروع الصهيوني للاستيلاء على أراضي الدولة الفلسطينية، والتصدي له أولوية قصوى بالنسبة لنا نعمل عليها عبر عدة وسائل. ومن أهمِّ هذه الوسائل، العمل القانوني، ومن خلاله نجحنا في إيقاف تهجير الفلسطينيين، ووقف أوامر هدم كثيرة للعديد من التجمُّعات، ومنعنا عملية تسريب آلاف الدونمات عبر التزوير، وآخرها عملية تسريب لـ900 دونم سنُعلِن عنها لاحقًا. وفي العام الماضي وحده كشفنا أكثر من 30 عملية تزوير وتسريب للأراضي، وفي هذه الحالات نقوم بدعم أصحاب الأراضي عبر تأمين تكاليف مساحة الأراضي والتكفُّل برسوم القضايا في المحاكم الإسرائيلية لإثبات التزوير ونتابع الأمور بالتفاصيل. فمعظم عمليات تسريب الأراضي تجري بالتزوير وليس بالبيع المباشر من قِبَل المالكين الفلسطينيين، وباعتراف مسؤولة إسرائيلية سابقة عملت 30 عامًا في مجال أراضي الضفة، فإنَّ 90% من عمليات البيع المسجَّلة بِاسم الشركات الإسرائيلية مزوَّرة. كما نعمل على تعزيز صمود أصحاب الأراضي، وقد نفَّذنا خطّةً شاملةً أُقِرَّت من الحكومة في هذا المجال للمناطق التي تقع تحت السيطرة الإسرائيلية لتوفير احتياجات التجمُّعات الفلسطينية الواقعة ضمنها، كحراثة آلاف الأراضي، وقطف الزيتون، وغيرها، إلى جانب تعزيز وجود لجان المقاومة الشعبية للدفاع عن القرى المستهدَفة، وتوثيق جميع الانتهاكات الإسرائيلية بحقِّ الفلسطينيين، وسنُواصل العمل لمنع سرقة الأراضي الفلسطينية.

بقراءتكم للوقائع، إلامَ ستؤول الأمور بالنسبة لموضوع الاستيطان في العام 2018؟
نحن الآن نقفُ على مفترق طُرُقٍ ليس فقط في موضوع الاستيطان، فالقضية الفلسطينية في خطرٍ في ظلِّ ما يجري الآن الإعداد له من حلٍّ سياسي للقضية الفلسطينية، وما يُسمَّى بصفقة القرن، والتي كانت مقدّمتها إعلان أمريكا القدس عاصمةً لـ(إسرائيل)، وهذا يُوضحُ أنَّ القادم خطير جدًا. لهذا فإنَّ العام القادم ستَّتضح معالمُهُ بناءً على ما يحدث الآن، ونحن نشاهد اليوم ما يحدث على الأرض وفي أروقة السياسة، وبالتالي يجب أن يتشكَّل موقفٌ فلسطينيٌّ وعربيٌّ حازمٌ لرفض ما يُخطَّط له على حساب القضية الفلسطينية، ولتعطيل أيّة خطوات أو إجراءات تصبُّ في صالح الاحتلال على حسابنا.