إعلان الرئيس أبو مازن عزمنا على إجراء انتخابات تشريعية في الضفة والقدس وقطاع غزّة فيه قدر كبير من الحكمة والشجاعة، ويجب أن تتلقفه جميع مفردات الساحة الفلسطينية بقدر كبير من السلوك الإيجابي، فهذا يحكم على مدى وطنيتها وأهليتها للدفاع عن قضيتنا الفلسطينية وحقوقنا وثوابتنا الوطنية، وبالفعل فإنَّ اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات قد بدأت عملها بالفعل في لقاء مع جميع الفصائل في الضفة الغربية، وهي تمهد لانتقالها إلى قطاع غزّة للتحاور مع الفصائل هناك في محاولة جادة لأنَّ يكون الكل الفلسطيني على المستوى نفسه من الأداء وفهم الواقع المحيط بنا.

 

دعوة الرئيس أبو مازن جاءت وسط ارتباك دولي على خلفية الصراع الداخلي في أميركا الذي يتسع أكثر، ويتطوّر بسرعة تسابق الريح في هذه التغيرات السياسية والمناخية غير المسبوقة، وأول ما نشاهده عن قرب أنه لا يمكن أن تكون أميركا في حالة اضطراب بينما نحن في منطقتنا في حالة هدوء، لذلك نرى المأزق الاسرائيلي يزداد رسوخًا، نتنياهو الذي خدع ترامب وأملى عليه أجندة جهنمية بالنسبة لقضيتنا بكل مفرداتها، الأرض، والاستيطان الذي يسابق الزمن، والانحراف اليميني المتطرف، والقتل اليومي، والاستفزاز المقصود، وعودة جميع المحظورات إلى المنطق الاسرائيلي هو رد فعل يجب أن يكون مفهومًا من قبلنا ومتوقعا، نتيجة الفشل الذي تعيشه إسرائيل في عجزها في تشكيل ائتلاف حكومي مرتين بعد انتخابات أولى وثانية جرت في خمسة شهور وكشفت عن خلل أعمق ممّا كانوا يظنون، وقد يذهبون إلى انتخابات ثالثة في هذه السنة، التي سينكشفون فيها أكثر، فهدايا ترامب لهم بالمجان افقدتهم الوعي وجعلتهم يعيشون مثل قشة على سطح بحر هائج.

 

ولكن الأزمات حولنا لا تقتصر على (إسرائيل)، فالوضع في المنطقة ينذر بأشد العواصف.

 

 المنطقة والعالم من حولنا تحيط به الدوامات العنيفة، وبدل أن تتوزّع على ذوي هذه الدوامات، فتح لنا الرئيس أبو مازن بابًا لتجديد إطاراتنا الوطنية وإعطائها مزيدًا من القوة والحضور، من ديمقراطية لها مجالها الحيوي وهي الانتخابات التشريعية، وبعدها رئاسية وهلم جرا. يا أيها الفلسطينيون، زمانكم العصيب أقضوه فيما ينفع وليس في السياحة اليائسة في دوامات المنطقة، الانتخابات هي الطريقة الأفضل، هي الاختيار الأعلى. ولقد سألني أحد الصحفيين قبل يومين، هل ردّت "فتح" على مبادرة الفصائل؟ قلتُ له نعم، ردت بضرورة إجراء الانتخابات، هذا ما يفيد الشعب، قلت رأينا في مبادرة الفصائل، أنها مبادرة رخوة، ولا أحد يختار أن يذهب إلى الادنى حين يكون امامه خيار مفتوح أن يذهب إلى الأعلى، والانتخابات هي الخيار الاعلى، فحين نذهب إلى الانتخابات يكون الفائز الأول هو الشعب، فهل هناك مبادرة أعلى من ذلك؟