تقرير: نجيّة شحادة

كما تنبتُ النبتة الخضراء الصغيرة من بين الصخور وتنمو، يصافح أهل مخيّم البرج الشمالي الصباح كل يوم متحدين جميع العوائق والصعوبات التي تواجههم، حتى وإن كانت مرض الثلاسيميا الذي بات منتشرًا في صفوفهم، مؤكِّدين أن لا شيءَ يمنعهم من مواصلة الحياة بأملٍ وعزيمة.

 

*ما هو مرض الثلاسيميا؟ وما أسبابه؟

 مرضُ الثلاسيميا، ويُسمَّى أيضًا فقر دم حوض البحر الأبيض المتوسّط، أحدُ أمراضِ الدّم الوراثيّة التي تنتقلُ إلى الأبناء من الوالدَين، بحيث يُصبحُ جسم الإنسان غير قادرٍ على إنتاج ما يحتاجه من كمية هيموجلوبين الدّم الطبيعيّة والمستخدَمة في نقل الغذاء والأُكسجين إلى خلايا الجسم كافّةً، وبمسارٍ عكسي يحمل الهيموجلوبين الفضلات وثاني أكسيد الكربون من تلك الخلايا وهكذا دواليك، ممّا يؤثِّر بشكلٍّ سلبيٍّ على أداء جميع أجهزة الجسم بحيث تُصاب بالاضطراب والاعتلال.

 

السببُ الرئيسُ لهذا المرض الوراثيّ هو انتقالُ الجين أو الجينات من أحد الأبوين أو كليهما إلى الطفل ممَّا ينتجُ عنه سوء في عمليّة تصنيع وتكوين سلاسل البروتين المكوِّنة لهيموجلوبين الدم بنوعَيه "ألفا" و"بيتا"، الأمر الذي يتسبَّب في حدوث خَلَلٍ وظيفيٍّ في الدم وينعكس على باقي أجهزة الجسم.

ولأنَّ هيموجلوبين الدم يتكوّن من أربع سلاسل من البروتين (الأولى والثانية من نوع "ألفا"، والثالثة والرابعة من نوع "بيتا") يُصنَّف هذا المرض إلى نوعَين بناءً على مكان الخلل الجينيّ لدى الفرد، وهُما:

ثلاسيميا "ألفا": أيّ أنَّ الخلل الجينيّ يصيب سلاسل "ألفا" البروتينيّة المكوِّنة لهيموجلوبين الدم، وقد يكون هذا النوع من المرض شديد الخطورة لدرجة وفاة الجنين في رحم الأم أو بعد مدّةٍ وجيزةٍ من ولادته.

ثلاسيميا "بيتا": أيّ أنّ الخلل الجينيّ يُصيب سلاسل بيتا المكوِّن الآخر لهيموجلوبين الدم، ويُعَدُّ أقلَّ خطورةً من ثلاسيميا "ألفا"، باستثناء ثلاسيميا "بيتا" الكبرى، المصنَّف كأشدّ خطورة.

ويقُسَّم النوعان إلى ثلاسيميا صغرى وكبرى؛ فالصغرى أيّ أنَّ الفرد يرث الجين المسبِّب للمرض من أحد أبويه، ويُسمّى حامل مرض الثلاسيميا، أمّا الكبرى فتعني أنَّ الفرد يرث الجين المُسبِّب للمرض من كِلَا أبويه، ويُسمّى مُصابًا بالمرض.

 

*معاناة المرضى في البرج الشمالي

 هنا في مخيّم البرج الشمالي يعيش الشعب الأكثر سعادةً رغم تعاسته، تسعدهم أبسط الأشياء، لا تغريهم التفاصيل المثيرة للجدل، ويحاولون أن يصنعوا من الحياة حياة، ويمضوا ما استطاعوا إليها سبيلاً، على الرغم من انتشار مرض الثلاسيميا وارتفاع عدد المصابين به إلى ٢٣٠ حالة فضلاً عن حالات فقر الدم العام والأنيميا المنجلية، بحسب ما أفادتنا به مسؤولة ملف مرضى الثلاسيميا في البرج الشمالي "سوسن رحيل".

 

وفي حديثها لموقع "فلسطيننا" حول آلية العمل المتّبعة لمكافحة انتشار المرض تقول رحيل: "نحن ننظِّم حملات توعية للتخفيض من نسب زواج الأقارب وبالأخص الذين يحملون إشارة للمرض، ونحثُّ المقبلين على الزواج على أن يخضعوا لفحوصاتٍ طبية للتأكُّد من أنَّ الطرفين ليسوا حاملين للمرض".

وتشرح رحيل أبرز أعراض المرض وكيفية علاجه قائلةً: "الأعراض التي قد تأتي ملازمةً لهذا المرض الإرهاق، الضعف، شحوب واصفرار الجلد، التشوهات الوجهية، تباطؤ النمو، انتفاخ البطن، وغيرها، وحينها يجب على المصاب زيارة الطبيب، لا سيما أنَّ أعراض الإصابة لا تظهر عند جميع الأطفال فور ولادتهم". 

وتتابع: "المصاب يجب أن يستعمل الأدوية التالية: هيدرا، أوستن، فوليك أسيد، وهذه الأدوية الشهرية ضرورية للمريض، لكنّ هذه الأدوية لا توفرها "الأونروا". وهناك بعض المرضى مصابين بـ«التلاسيميا» الكبرى ويستعملون حقن «ديسفرار»، وكلفة الحقنة ١٠ دولارات، فإذا استعمل المريض علبة كاملة تحتوي ١٠ حقن، فهذا يعني أنه بحاجة إلى ١٠٠ دولار أميركي. وبالنسبة للأنيميا المنجلية فعلاجها يتطلّب أدويةً مكلفة جدًّا، تصل كلفتها إلى ٥٠٠$ شهريًا، علاوةً على حاجة المريض للدخول إلى المستشفى كلَّ ٧ أيام أو ١٥ يومًا، وذلك وفقًا لدرجة إصابته. أما فيما يتعلق بالفحوصات، فلا يتوفّر لدى "الأونروا" سوى فحص «سي.بي.سي.»، والفحوصات الأخرى غير متوفّرة لدى الوكالة، وتكلّف في المختبرات ٦٠ ألف ليرة لبنانية، ويجب على المصاب أن يخضع لهذه الفحوصات بشكل دوري لمتابعة وضعه الصحي لئلا تتدهور حالته الصحية أو ينتج عن تأخر العلاج المناسب حالات وفاة".

 

كيف تتعايش منتهى وعائلتها مع الثلاسيميا؟ 

منتهى نموذج من عشرات الحالات التي تتألم جرّاء المرض، وحول معاناتها اليومية تقول: "اكتشفتُ بأنّني أحمل مرض الثلاسيميا في العام ٢٠٠٤، وكنت وقتها حاملاً بابنتي الخامسة، إذ نُظمت حملةٌ صحية لفحص أبناء المخيَّم، فخضعنا أنا وأولادي للفحص، وعند ظهور النتائج اتضح أننا مصابون المرض".

وتضيف: "أُعالج نفسي بالمصل والأدوية، منها أدوية الهيدرا التي تعمل على تخفيض الآلام والأوجاع التي أمر بها، وفي هذه الحالة يكون الذهاب إلى المستشفى ضروريًّ في هذه الحالة، لكنني لا أستطيع دائمًا الذهاب بسبب التكاليف الباهظة".  

 وتنوّه منتهى إلى أنَّ دواء "فوليك أسد" الذي كانت توزعه "الأونروا" على المرضى قد أوقفته منذ تقليصها للمساعدات.

وتختتم كلامها موجهًة كل الشكر لمنظمة التحرير الفلسطينية لأنها تؤمن كل فترة العلاج للمرضى.

 

رغم المعاناة التي يمرُّ بها أهالي المخيّم، والتي تزداد يومًا بعد يوم، فإنَّهم ما زالوا يتحدون المرض بعزيمة وثبات، ليُبثتوا أنَّ على هذه الأرض ما زال هناك ما يستحق الحياة.


*المراجع:

- منظمة الصحة العالمية

- ويب طب

- موقع البيان الطبي

- موقع صحتي