نظَّمت بلدية نابلس ندوة في حديقة مكتبتها العامة، بعنوان "كيف تمكن أجدادنا من تحرير القدس" تحدث فيها الكاتب الاعلامي زهير الدبعي، بحضور عدد من المثقفين والمهتمين.

واستهل الدبعي حديثه بالقول انه من المألوف ان تحتفل مدارس وجامعات وشركات وبنوك وفصائل بذكرى تأسيسها؛ وهذا امر يصبح ممتازا اذا ترافق مع المراجعة والتقييم واستخلاص العبر والعظات.

واشار الى انه في الثاني من تشرين الاول يصادف ذكرى تحرير الأمة بقيادة صلاح الدين للقدس بعد 88 عاما من الاحتلال، مشيرا الى ان فتح القدس كان فتحين، الاول فتح بمعنى التحرير، والثاني بمعنى الانتصار الحضاري حيث عدم الانتقام من الفرنج الذين ارتكبوا في يوم احتلالهم للقدس في حزيران 1099م مجزرة دموية رهيبة، راح ضحيتها 70 الفا من المسلمين الذين احتموا في المسجد الاقصى المبارك، مذكرا برسالة ارسلها مقاتل من المحتلين الى امه في اوروبا يقول فيها: "لقد خاضت خيولنا في دماء (الكفار) في معبدهم يقصد (المسجد الاقصى) حتى الركب. ومنذ ذلك عرف مصطلح "الدم الى الركب" الى يومنا هذا.

وقال الدبعي بان انتصارنا كان حضاريا لاننا تصرفنا كبشر ومواطنين. قاومنا الغزاة والمحتلين ولم نصل الى مستوى دمويتهم ووحشيتهم.

وتابع بانه ومن اجل الدلالة على كيفية تمكن اجدادنا من تحرير القدس، لا ضير من اجراء مقارنة بسيطة بين الطب والمقاومة، لافتا الى ان اول اجراء يقوم به الطبيب هو التشخيص. ولدينا في هذه الايام الكثير من الفحوصات التي تساعد الطبيب على التشخيص الدقيق، وبالنسبة للمقاومة فان الخطوة الاولى فيها يجب ان تكون تشخيص مواطن الضعف والخلل بعيدا عن الشعارات والشعبوية واساليب الوعظ والارشاد.

واضاف ان السبب الاول الذي جعل الغزاة في اوروبا يقدمون على غزو وطننا واحتلال مناطق واسعة من تركيا وسوريا ولبنان وفلسطين والاردن وشمال مصر، هو فرقتنا وصراعنا الداخلي حيث كان السلاجقة والفاطميون في حالة صراع مستمر حول بلاد الشام، وهذا ما تكرر في العام 1948 حيث الصراع بين حلف بغداد – عمان، ومحور القاهرة – الرياض، قد حال دون وجود غرفة عمليات واحدة كانت ستؤدي الى تقليص حجم الهزيمة عام 1948. وكذلك في العام 1967 حيث الصراع ما بين دعاة القومية ودعاة الاسلام. واشار الى ان التجزئة والانقسام من شأنها ان تصيب اي وطن بالكساح والتخلف والهزائم، مضيفا انه لا يوجد انقسام اسلامي وشرعي وتقدمي لأن التجزئة والانقسام مرض فتّاك كالفشل الكلوي والسرطان.

واشار الدبعي الى انه حين استعادت الامة وحدتها او الوحدة في محيط فلسطين اصبحت قادرة على القيام بهجوم معاكس قوي ومؤثر ومثمر، وحينما توحدت مصر والشام أدرك ساسة الفرنج وقادتهم من العسكريين ان العد العكسي لاحتلالهم قد بدأ. وفعلا وقعت معركة حطين هنا في فلسطين بتاريخ 4 تموز 1187، بعد 13 عاما من توحيد مصر والشام، وجرى تحرير القدس بعد 90 يوما من معركة حطين. وكان الجيش المقاوم الذي قاده صلاح الدين حول اسوار القدس من ليبيا ومصر وشمال السودان واليمن والحجاز وبلاد الشام وجنوب تركيا وشمال العراق، فضلا عن مجاهدين من المغرب العربي الذي دمر الاحتلال منازل احفادهم في حي المغاربة في القدس فور احتلال البلدة القديمة بتاريخ 7 حزيران 1967.

وشدد الدبعي على انه علينا جميعا وبخاصة المثقفين والتربويين وغيرهم من قادة الرأي العام ادراك خطورة التنظير الطائفي والقطري والقبلي وكل نزعة انفصالية انعزالية.

واشار الى انه من البديهي عند حديثنا عن قدرة ونجاح اجدادنا في تحرير القدس ان نتحرر من السذاجة والتبسيط والشعبوية لأن العالم يتغير.

متغيرات

وأوضح ان من المتغيرات التي حصلت ان الغزاة الذين احتلوا ارضنا كانوا من اوروبا كلها وكانوا قادرين على على ارسال حملات متوالية من العسكر والقوات المحاربة، اما المشروع الصهيوني الذي غزا وطننا منذ القرن التاسع عشر واحتل وطننا منذ عدة عقود لا يقدر على الزج بأمواج بشرية جديدة، وان كان من الضروري التذكير ان عدد الجنود والوحدات والعسكر لم يعد عاملا حاسما في قوة الجيوش كما كان في الماضي.

واشار الى ان اجدادنا كانوا متفوقين على الغزاة المحتلين في ميادين المعرفة والاقتصاد والتمدن، والان انقلب الامر اذ ان المشروع الصهيوني يتفوق علينا منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم في التعليم المدرسي والجامعي ومراكز البحث والاقتصاد وسطوة الاعلام والاداء المؤسسي وفصلل السلطات.

واضاف ان اوروبا كانت تنظر نظرة سيئة لليهود، ولكن الحركة الصهيونية وبخاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبطش النازيين باليهود واضطهادهم اصبح لها سطوة عاتية على اوساط سياسية اوروبية وفي مجال الاعلام.

وقال الدبعي انه حين قاوم أجدادنا الفرنج الغزاة المحتلين طيلة قرنين كاملين لم تكن قد اكتشفت امريكا بعد، ولم يكن قد أبيد سكانها الاصليون، ولكن اليوم فان مواقف الولايات المتحدة الامريكية حيال قضايا امتنا وشعبنا هي شديدة الانحياز للمشروع الصهيوني، واصبح هذا الانحياز اكثر رسوخا مع ادارة الرئيس الامريكي الحالي "ترامب".