تحتلُّ مهرجاناتُ الاحتفالِ بمواسمِ العِنبِ والتّينِ والجوافا وغيرها منْ خيراتِ أرضِ فلسطينَ مكانةً خاصّةً في حياةِ المزارعينَ والمجتمعاتِ المحليّةِ، وهي ليست "بدعةً" جديدةً في حياةِ الفلّاحِ الفلسطينيِّ الذي يعشقُ الأرضَ ويحرصُ على شُكرِ اللهِ على ما يهبُهُ لهُ بواسطتِها منْ نِعَمٍ يصعبُ حصرُها، فقد لازمَ الاحتفالُ بمواسمِ حصادِ القمحِ وعصرِ الزّيتونِ حياةَ القريةِ الفلسطينيّةِ منذُ الأزلِ، وهو ما ترسّخَ في "الفولكلور" الفلسطينيِّ كرقصاتٍ ودبكاتٍ وأغاني يتوارثُها شعبنا جيلًا بعدَ آخر، ويبقى البَيْدَرُ والخابيَةُ ومعصرةُ الزيتونِ مكوّنًا هامًّا من مكوّناتِ الثقافةِ الشعبيّةِ والوطنيّةِ، ورغمَ ما يعانيه شعبُنا من عدوانٍ مستمرٍّ واحتلالٍ واستيطانٍ فإنّهُ يحرصُ على التمسّكِ بكلِّ النّقاطِ المضيئة في حياتِهِ، وأكثرُ تلكَ النقاطِ إضاءةً هي العلاقةُ بينَ الإنسانِ والأرض.

تهتمُّ كلُّ شعوبِ العالمِ بالتّرويجِ لما تعتَقِدُ أنّهُ مُنْتَجُها المميّزُ، وتحتلُّ مهرجاناتُ الاحتفالِ بنهايةِ جمعِ المحاصيلِ المختلفةِ حيّزًا واسعًا في الثّقافةِ الأوروبيّةِ، فلكُلِّ بلدٍ تراثُهُ الذي يعتزُّ بهِ، ورغمَ سعيِ الاتّحادِ الأوروبيِّ إلى توحيدِ القارةِ الأوروبيّةِ فإنَّهُ يحافظُ على التنوّعِ الثقافيِّ الوطنيّ، وهذا ينطبقُ بشكلٍ خاصٍّ على المنتجاتِ الزراعيّةِ، حيثُ يتمُّ تسجيلُ بعضِ تلك المنتجاتِ التي تمثّلُ جزءًا من تراثِ الشعوبِ المختلفةِ وتُمْنَحُ الحمايةَ القانونيّةَ وتتمتّعُ بكلِّ ما تتمتّعُ بهِ "الاختراعاتُ" الأخرى من حمايةِ الملكيّةِ، وهذا يشملُ الأجبانَ وبعضَ أنواعِ الحلوى والمشروباتِ التي يتمُّ إنتاجُها يدويًّا منذُ قرونٍ ودونَ تدخّلِ الكيمياءِ والموادِّ الحافظة. من هنا علينا تنميةُ الوعيِ بأهميّةِ العنايةِ بالمنتجاتِ الفلسطينيّةِ المرتَبِطَةِ بفلسطينَ، وخاصّةً تلكَ التي ارتبطت بالقريةِ والإنتاجِ البيتيِّ البسيط، ليسَ فقط لأنّها تحفظُ التراثَ وتمنعُ اندثارَهُ، ولكن أيضًا لأنّها تشكّلُ مصدرًا للدّخلِ في ظلِّ تزايدِ الطّلبِ على المنتجاتِ "الصَديقةِ" للبيئةِ والخاليةِ من سمومِ التقنيّاتِ الحديثة.

يرتبطُ مستقبلُ فلسطينَ بالاهتمامِ بالزّراعةِ بصفتِها قاطرةَ الاقتصادِ الوطنيِّ الفلسطينيّ، وهي هِبَةٌ منَ الخالقِ منَحها لهذهِ الأرضِ منذُ أنْ بدأت العلاقةُ بين الفلسطينيِّ وأرضهِ، فلا توجدُ دولةٌ أخرى بحجمِ فلسطينَ تمتلكُ كلَّ هذا التنوّعِ المناخيِّ الذي يوفّرُ إمكانيّةَ الزّراعةِ وإنتاجِ المحاصيلِ المختلفةِ طوالَ العامِ دونَ الحاجةِ إلى الاستثمارِ الباهظِ التكلفةِ في وسائلِ "الاحتيالِ" على الطبيعة. وتزدادُ أهميّةُ القطاعِ الزّراعيِّ في هذهِ الفترةِ التي نتعرّضُ فيها لكلِّ أنواعِ الحصارِ وما يشكّلُهُ ذلكَ من تهديدٍ مباشرٍ لإمكانيّاتِ شعبِنا في مواصلةِ الصّمودِ في وجهِ المشاريعِ الهادفةِ إلى تجاوزِ حقوقهِ الوطنيةِ. وبحكم التركيبةِ الاجتماعيةِ فإنّ الغالبيةَ العظمى من أبناءِ شعبِنا لهم ارتباطٌ مباشرٌ بالأرضِ ولا تمثّلُ الزّراعةُ سرًّا يخفى عليهم، فهي جزءٌ من تربيتهِم وثقافتِهم. لذلكَ كلّهِ علينا التركيزُ على أهميّةِ العنايةِ بالأرضِ وتنميةِ علاقةِ الإنسانِ بها والتعاملِ معها كمصدرٍ لتوفيرِ متطلّباتِ الحياةِ الكريمةِ ولتعزيزِ الحصانةِ الفرديةِ أمامَ متغيّراتِ الحياةِ اليوميّةِ، إضافةً إلى دور الزّراعةِ في تحصينِ الاقتصادِ الفلسطينيِّ ضدَّ العقوباتِ والقرصنةِ الأمريكيةِ-الإسرائيليّةِ التي تسعى إلى ابتزازِ القيادةِ والشّعبِ الفلسطينيِّ وإجبارِهِ على القبولِ بما يطرحونَهُ من مخطّطاتٍ تهدّدُ المشروعَ الوطنيَّ الفلسطينيَّ.

*الشَّهدُ في عِنَبِ الخَليلِ
هذا ليسَ مجرّدَ شعارٍ لمهرجانٍ، لكنَّهُ دعوةٌ للاعتزازِ بانتمائنا لهذهِ الأرضِ، فعلى هذهِ الأرضِ ما يستحقُّ الحياةَ.. والصُّمودَ.

٢١-٩-٢٠١٩

رسالة اليوم
رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.
#إعلام_حركة_فتح_لبنان