سنتركُ المحلِّلينَ "الاستراتيجيّينَ" يُشرِّحونَ نتائجَ انتخاباتِ الكنيست وفُرَصَ القُطبَيْنِ المتنافِسَينِ نتانياهو وغانتس في تجميعِ حُطامِ السّاحةِ الحزبيّةِ الإسرائيليّةِ العصيّةِ على الاستقرارِ والتشكُّلِ النهائيِّ، وغيرِ القادرةِ على أنْ تُحدِثَ فرزًا بينَ اليمينِ واليسارِ وما بينَهُما، فهذهِ هيَ الصورةُ الثابتةُ في المجتمعاتِ الدّيمقراطيّةِ، لكنَّها بالتأكيدِ لا تنطبقُ على مجتمعٍ أقلُّ ما يمكنُ أن يوصَفَ بهِ أنّهُ ثكنةٌ عسكريّةٌ تجمعُ داخلَها جنودًا يوحِّدُهُم قتلُ الفلسطينيّينَ على حواجزِ التّفتيشِ ولا تجمعُهم أو تفرّقُهم قضايا تختلفُ أو تجتمِعُ عليها الأممُ والشّعوبُ التي لم تجعلِ القَتلَ والإرهابَ المنظَّمَ هوايَتَها الوحيدة.

سنتركُ ذلكَ جانبًا ونركِّزُ على مشهدٍ آخر: أينَ أصبحَ أهلُنا الفلسطينيّونَ المرابطونَ في الجليلِ والمُثَلّثِ والنّقب؟
لقد تجاوزَ فلسطينيّو الدّاخلِ إمكانيةَ التهميشِ، وأصبحوا رقمًا صعبًا يُعقِّدُ حساباتِ "الدّيمقراطيّةِ" الإسرائيليّةِ التي أرادَ لها مؤسّسو الحركةِ الصهيونيّةِ أن تكونَ على مقاسِ الفكرِ الصهيونيّ، وأن تشكّلَ أداةَ المؤسّسةِ الصهيونيةِ في دولةِ الاحتلالِ الاستيطانيِّ لطمسِ الهُويةِ الفلسطينيّةِ واقتلاعِ جذورِ شعبِنا من وطنِهِ وتلفيقِ روايةٍ كاذبةٍ لتحلَّ محلَّ التاريخِ الذي يشهدُ على أزليّةِ العلاقةِ بينَ الفلسطينيِّ وأرضِهِ. ليس هناكَ من ثابتٍ واحدٍ في الانتخاباتِ الإسرائيليّةِ المتعاقبةِ سوى تنامي قوّةِ التمثيلِ الذي تحظى بهِ جماهيرُ شعبِنا، ليسَ فقط من خلالِ حمايةِ وتعزيزِ ما تحصلُ عليه القائمةُ المشتَرَكةُ من مقاعدَ في الكنيست، وإنَّما أيضًا، وهذا هو الأهم، من خلال تزايدِ الوعيِ بالانتماءِ الوطنيِّ والقوميّ، ومن خلال طردِ الأحزابِ الصهيونيّةِ من الوسطِ العربيِّ الفلسطينيِّ في ظاهرةٍ يفهمُ قادةُ إسرائيلَ مغزاها جيّدًا.

يستطيعُ قادةُ إسرائيلَ كَيْلَ الشّتائمِ للواقعِ والتحذيرَ من خطرِ التحالفِ معَ القائمةِ المشترَكةِ "المعاديةِ للصهيونيّةِ"، ويستطيعُ جيشُ الاحتلالِ الانتقامَ من هزيمةِ الفكرِ الصهيونيِّ في الجليلِ والمثّلثِ والنقبِ باغتيالٍ فتاةٍ على حاجزِ قلنديا أو باجتياحِ رام الله، لكنّهُم لنْ يتمكّنوا من مواصلةِ الادّعاءِ أنّ دولتَهم دولةٌ يهوديّةٌ نقيّةٌ لا يملكُ أحدٌ يعيشُ فوقَها سوى اليهودِ "حقَّ تقريرِ المصيرِ". وعليهم الاستعدادُ لما هو آتٍ، ولنا موعدٌ عاجلاً أم آجلاً سيقرّرُ فيهُ فلسطينيّو الجليلِ والمثلثِ والنّقبِ مصيرَ الدّولةِ الصهيونيّةِ كلّها. أمّا إخوتُنا في الدّاخلِ الفلسطينيِّ المُستَعمَرِ بالفكرِ الصهيونيِّ فإنَّهم يقدّمونَ لنا درسًا في الوطنيّةِ أساسُهُ الصّمودُ والتمسّكُ بالأرضِ والدفاعُ عن الحقِّ الثابتِ في وطنِنَا فلسطين.
*وهو درسٌ يفهمهُ جيّدًا الشّبانُ والفتيةُ الذينَ تصدّوا بحجارتِهم وإرادتِهم لجيشِ الاحتلالِ ليلةَ أمس في رام الله، فحجارتُهُم هي التي تبني سَقْفَ سماءِ دولَتِنا القادمةِ لا محالة!
 

١٩-٩-٢٠١٩
رسالة اليوم
رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان