قبل عدة أيام اتصل بي أحدهم، طالبًا مقابلتي بإلحاح مشدّد، دفعني لإجابة طلبه الذي قدرته بلا شكك، فأعلمته بأنّني سأنتظره في مكان ما داخل المخيّم، لكنَّه اعترض على اختياري للمكان الذي حدّدته له مع تمسُّكه بطلب المقابلة نفسه.
وألحَّ علي بأن يكون اللقاء خارج المخيّم، ونزولاً عند رغبته التقيته خارج المخيّم، وقبل ولوجنا بالحديث، سألته عن سبب رفضه لمقابلتي داخل المخيم.
فقال إنه يتجنَّب دخول المخيّمات -بشكل عام - لأنّه لا يشعر بالأمان داخلها، لا على نفسه ولا على مركبته.
فسألته: هل سبق أن تعرَّضت لاعتداء ما داخل إحدى المخيمات.
قال: لا
قلت له إذًا، من بنى هذا الخوف في داخلك من المخيم إن لم يكن لك تجربة ما مع المخيّم وسكّانه.
قال: من ما أسمعهُ يا صديقي عن المخيّمات وشباب المخيّمات.
قلت له: لعلّك مخطئ يا صديقي.
لأنَّ مُحدّثي ليس بالرجل العادي؛ فهو قامة اقتصادية عالية، ولها مكانتها المرموقة في المجتمع الفلسطيني، وأمضى قسطًا كبيرًا من عمره خارج الوطن.
مضى الوقت الأعظم من لقاؤنا والذهول مسيطرًا علي من هول ما سمعته، لأنّني لم أتوقّع أن هناك أفراد أو مجموعات من أبناء شعبنا ما زالوا يحملون هذه الصورة عن المخيم وسكان المخيم، وهي صورة نمطية مبنية على أفكار بغيضة قام ببنائها والترويج لها مناهضو الوطنية الفلسطينية من أبناء شعبنا وعبدة القوالب الاجتماعية المقيتة التي تقدس التطبيقية البائد، وتمقت العدالة الاجتماعية والمساواة، حيثُ يتناسى أولئك دور المخيّم في الحركة الوطنية الفلسطينية، وكيف أمست المخيّمات معقل للثورة والثوار، ما أسهم في تخريج أجيال متتالية من المناضلين والمثقفين وقادة المجتمع.
وبعد نقاش طويل مع محدثي طلبتُ منه أن ننقل جلستنا إلى إحدى مؤسّسات مخيّم الأمعري، فاستجاب فرافقته في جولة على المؤسسات التي أبدعت تاريخيًّا في تقديم كل الدعم والخدمات والأنشطة المتنوعة والمختلفة ولم يقتصر عملها داخل المخيم؛ بل ساهمت ببناء المجتمع من خلال دورها في تطوير الحركة الرياضية والكشفية والثقافية والسياسية، عدى عن دور كادرها السياسي والوطني وتقديمها لآلاف الشهداء والأسرى والجرحى، دون أغفال ما قام ويقوم به بعض الخارجين على القانون، شأننا في ذلك شأن باقي المجتمعات.
في نهاية الجولة، قدَّم لي صديقنا اعتذارًا محفوفًا بالخجل الشديد لما بدر منه، وعن احتفاظه بأفكار خاطئة عن المخيّم، جلها منقولة من آخرين وغير معاشة من قبله، وبعد هذه الزيارة أصبح صديقنا العزيز من كبار الداعمين لأنشطة وفعاليات مؤسسات المخيم.